تونس ــ سفيان الشورابي
انتشر الراب التونسي في السنوات الأخيرة بنحو واسع بين الشباب، وأصبح من أنواعهم الموسيقية المفضّلة. وإذا كان فنانو الراب في العالم إلى جانب الأفكار التقدمية والثوريّة، فإننا نشهد للمرّة الأولى فناناً ـــــ ظاهرة، يذهب إلى انتقاد المكتسبات الاجتماعية الحداثية التي حققها المجتمع التونسي خلال نصف قرن. إنه مغنّي الراب Psyco M الذي قدّم أغنية مدّتها 15 دقيقة وتحمل عنوان Manipulation 2011. تربط الأغنية بين العلمانية (وهي من أساسات الدولة التونسيّة بعد الاستقلال) والإلحاد، وترى أنها من أبرز أسباب تخلّف المسلمين، بعدما تخلّوا عن جوهر ديانتهم.
كما يغرق الـ«رابر» Psyco M في أشكال مختلفة من الشعبويّة المقلقة: من دور اليهود في إسقاط الإمبراطيورية العثمانية تمهيداً لاحتلال فلسطين، وصولاً إلى التغلغل الماسوني داخل الحركات العلمانية. وطبعاً لم يوفّر المغنّي الشيوعية التي يربط بينها وبين الصهيونية، كما يشير إلى تحوّل تركيا بوابةً للفساد في العالم العربي. أما المفاجئ فكان ربطه بين احتلال فلسطين، وانتشار فكرة القومية العربية، إذ يرى أن الرئيس جمال عبد الناصر شجّع الماركسية على حساب الإسلام.. باختصار، الأغنية «خبصة» حقيقيّة، تجمع بين شعارات وكليشيهات محافظة وعنصريّة بنحو عشوائي، إن دلّ على شيء، فعلى تذبذب الوعي لدى الجيل الجديد في بلد بورقيبة، أو في جزء منه على الأقل.
ولم يكتف الـrapper التونسي بهذا القدر، بل عرّف العلمانية على طريقته، فهي «فصل الدين عن الدولة والتخلّي عن قواعد الإسلام، والتعويض عنها بقوانين مستمدة من النظام الشيوعي والثورة الفرنسية». يرى Psyco M أن العلمانية شبيهة بـ«الزنى وشرب الخمر». وتتابع الأغنية مرددة «لا بديل عن الإسلام... لا بديل عن القرآن».
وفي معرض الدفاع عن مشروعه، يؤكّد Psyco M أن هدفه تعريف الجمهور إلى «جانب من تاريخ المسلمين، تحاول الصهيونية والماسونية إخفاءه». وبرأيه فإن بروز «حركة مصر الفتاة» في بدايات القرن الماضي هو الذي أدّى الى تخلف المصريين... كما أن طه حسين وقاسم أمين وغيرهما «خربوا الأمة الإسلامية»، تماماً كما فعلت شعارات التحرر التي حملتها هدى الشعراوي. ومن مصر إلى بلاده، يؤكدّ أن «مجلة الأحوال الشخصية التونسية» (مجموعة من القوانين الصادرة عام 1956) هي دعوة الى «التبرج والفسق والانحلال».
وقد راجت هذه الأغنية كثيراً في منتديات الإنترنت بسبب صبغتها السياسية شبه الغائبة عن الأغاني التونسية. لعلّها مفارقة تونسيّة جديدة، مضحكة مبكية، إذ تكشف عن حجم انتشار الخطاب الإسلاموي في ردّ فعل على واقع الفساد والاستبداد والإسفاف المهيمن على البلاد.
هل يؤسس هذا الفنان الذي لا يملك رصيداً حقيقياً في عالم الفن، لنوع جديد من أغاني الراب، محافظاً على تخفّيه خلف اسم مستعار؟ يذكر أن Psyco M سبق أن أثار ضجة قبل أشهر، بعدما انتشرت أغنيته التي هاجم فيها الكاتبة المثيرة للجدل ألفة يوسف. وقد يكون الخطير في هذه الظاهرة انجراف الشباب خلفها. فيما يرى بعضهم أن شعبيّة هذا النوع من الأغنيات مجرّد طفرة يعبّر عنها على طريقته ابن الجيل الضائع، من خلال شاب يبحث عن معايير إنسانيّة وأخلاقيّة فلا يجد حوله إلا الخراب.
المؤكّد حتى الآن أن صفحة «سيكو ام» على موقع «فايسبوك» تجاوز عدد مشتركيها 50 ألف شخص. وهو رقم يفوق عدد المعجبين بأغلب الفنانين التونسيين على موقع التواصل الاجتماعي الشهير. ويصرّ قسم من جمهور Psyco M على إيجاد صلة وصل بين هذه الأغاني الإسلامية ـــــ الأخلاقية، وبين الشعارات «الظلامية» التي تتبنّاها المنظمات المتطرفة، فهل يصمت باقي مغنّي الراب أم نشهد قريباً حرب أغنيات على الساحة التونسية؟