تبدو المفارقة الإعلامية كبيرة: رغم أن تقرير «مراسلون بلا حدود» أعلن أنّ مصر تقدمت 16 مركزاً في 2010، إلا أن العام شهد أكبر تضييق على وسائل الإعلام منذ سنوات. وهي مفارقة تتوقف عند المصادفة الزمنية؛ لأن كل تقرير سنوي يغطي العام الذي سبقه، أي في هذه الحال 2009. لذلك، فترتيب مصر في 2011 سيشهد تراجعاً، لكنّه لن يغيّر في واقع الأمر شيئاً. «المحروسة» كانت في المركز 143 عام 2009، وأصبحت في المرتبة 127 في 2010، والرقمان بائسان لا يعبّران عن عراقة مهنة تمارس في هذه الدولة منذ قرن ونصف قرن.
لا شك في أنّ ما جرى مع جريدة «الدستور» المستقلة كان في قلب الأحداث المؤسفة التي شهدتها الساحة الإعلامية. وكما هي عادة السلطة، حوصرت الصحيفة عبر تفريغها من مضمونها بطريقة جديدة. بعدما اشترى رئيس «حزب الوفد» السيد بدوي «الدستور» من مؤسسها عصام إسماعيل فهمي، أقالت الإدارة الجديدة رئيس تحرير «الدستور» وصانع تجربتها إبراهيم عيسى وعزلت الهيئة التحريرية. ثم باع السيد البدوي أسهمه لشريكه رضا ادوارد، نافضاً يديه من «الصفقة» التي قيل إن نتائجها ستظهر في الانتخابات البرلمانية مع نيل «الوفد» مقاعد إضافية في المجلس. وهو ما لم يحصل، لتكون السلطة الفائز الوحيد. إلا أن صحافيي «الدستور» نفّذوا اعتصاماً مفتوحاً في نقابة الصحافيين وأداروا موقعاً مسجّلاً باسم إبراهيم عيسى. الضغوط لم تكن على «الدستور» وحدها. تعرّضت صحف أخرى لمضايقات قبل الانتخابات البرلمانية، وأبرزها «الشروق» التي منعت عدداً من صحافييها «المشاكسين» من الكتابة، بينهم حمدي قنديل وعلاء الأسواني. وكان ذلك مجرد جزء من ترويع إعلامي استعر وشمل برامج أُلغيت (أبرزها «القاهرة اليوم» مع عمرو أديب) ومحطات فضائية أُوقفت. فضلاً عن إلغاء تصاريح البث المباشر للشركات الخاصة، واقتصارها على الوحدات المملوكة من «التلفزيون المصري» واستوديوات «مدينة الإنتاج الإعلامي».
في ظل ما سبق، لم يكن غريباً أن يغطّي «فايسبوك» أحداث العنف أثناء الانتخابات. هكذا نشط المصريون على الموقع فنشروا مقاطع الفيديو التي تفضح العنف والتزوير والبلطجة، ما أعاد إلى الأذهان تهديداً عابراً بثه التلفزيون الرسمي قبل أشهر بضرورة فرض الرقابة على الموقع. لكن عجلة التكنولوجيا تصعِّب مهمة الرقابة، بالدرجة نفسها التي يسهل فيها تقييد الصحف الورقية. وتلك الأخيرة شهدت في 2010 زخماً من شقين: الأول تزايد وتيرة الإصدارات اليومية من الصحف. هكذا حصلت «اليوم السابع» و«الفجر» الإسبوعيتان على رخصة الإصدار اليومي. بينما يترقب الوسط الصحافي إصدار «الكرنك» صحيفة هشام قاسم الناشر السابق لجريدة «المصري اليوم».
أما الشق الثاني فهو المواقع الإلكترونية للصحف نفسها. أطلقت «اليوم السابع» تجربة الجريدة الـ«ديجيتال» الأولى من نوعها في مصر، ثم راديو إنترنت خاصاً بها، تمهيداً لإطلاق أول تلفزيون إخباري مصري على الشبكة العنكبوتية.
محمد...