صنعاء| ما زال المسرح في اليمن على قيد الحياة... أو هذا على الأقلّ ما تريد أن تثبته «خليج عدن». نجحت هذه الفرقة في فرض خبر عملها الجديد «كارت أحمر»، وسط زحمة أخبار موزّعة بين تطورات الحراك الشعبي الجنوبي، والتمرّد في الشمال. الفرقة التي تضمّ مجموعة ممثلين وممثلات هواة، يعملون بقيادة المخرج عمرو جمال (1980)، لاقت نجاحاً لافتاً لدى تقديم مسرحية «معك نازل» (2009).
المسرحيّة التي مدّدت عروضها يومذاك في عدن وصنعاء وتعز، قبل خروجها في جولة أوروبيّة. مأخوذة من نص «الخط رقم واحد» للمسرحي الألماني فولكر لودفيغ (1986). وقد أعيد تقديمها بصبغة يمنيّة معاصرة، لتتناول ظاهرة «الزواج السياحي». وفي «كرت أحمر» التي قدّمت أخيراً على خشبة «سينما هيركن»، تواصل فرقة «خليج عدن» مشروعها في تعرية الواقع عبر تناول ظواهر اجتماعية خطيرة في اليمن. يتألف العمل من 12 مشهداً منفصلاً، في قالب كوميدي بعيد عن فكرة القفشات والنكات، ويتناول بلغة ساخرة آفات المجتمع اليمني الراهن، من فساد القضاء وعادات الثأر، إلى تردِّي مستوى التعليم وعمالة الأطفال...
ويتّسع القالب الكوميدي للسياسة التي تبدو لصيقة بالعمل في كلّ مفاصله. كاتب العرض ومخرجه جمال عمرو يتهرّب من هذه الصفة، مصرّاً على أنّه أنجز نصاً اجتماعياً صرفاً، لكن كيف يمكن فصل المستويين أساساً في مجتمع مأزوم أمام التحديات الصعبة؟ من الضروري في المقابل أن نأخذ في الاعتبار معاناة المبدع في إطار الواقع اليمني الذي يدفع الرقيب إلى التعامل مع أي نص «جنوبي» تحت وطأة الأزمة الوطنية بين طرفي الوحدة وتداعياتها. هكذا تحاسب أي نظرة نقديّة بصفتها تعرّضاً لسياسة الطرف الشمالي الحاكم. من هنا ضرورة التذاكي على الرقيب المتحفّز والمُجهّز بتأويلاته الخاصة عبر كتابة نصوص بريئة في ظاهرها فقط. من النقاط التي تحسب لمصلحة «كرت أحمر»، ذلك التوزيع العملي لأدوات الديكور على مساحة الخشبة. ساعد التقشف الواضح في تعديل وضعية الأكسسوارت بمرونة عالية، تتناسب مع كل مشهد من مشاهد العرض، وتأتي مكملةً له. بعض عناصر الديكور تأتي عنصراً من عناصر المشهد، أو لاعباً رئيسياً فيه. يبدو شحّ الإمكانيات هنا دافعاً إلى ابتكار تقنيات ديكورية خارجة عن المألوف، مثل استثمار القماش المجرد، وإعادة تشكيله ليظهر على هيئات متعددة. من هذه الاستثمارات استخدام القماش كفواصل لإظهار الخشبة كغرف متعددة، تدور فيها حوارات مختلفة بطريقة تناوبية ترتكز على لعبة الإضاءة. يبقى أن نأسف لاستخدام الصوت العالي والنبرة المرتفعة في الحوارات، كأنَّها ثيمة مشتركة في الكوميديا اليمنية، لا يستقيم العرض من دونها، حتى إنّها تهيمن على الأعمال الدرامية التلفزيونية. هذه النبرة العالية تطغى على الحوار اليومي في الشارع اليمني. لا يمكننا افتراض خروج صوت عاقل من مواطنين وأفراد يسيرون دوماً بوجوه مشدودة.