دمشق ــ بعد طول انتظار، يعود حاتم علي إلى الدراما الاجتماعية التي حقق فيها نجاحات متتالية، كان آخرها عام 2006 في مسلسل «على طول الأيام» (كتابة فادي قوشقجي). بعد هذا العمل، تفرّغ المخرج السوري لأعمال تجارية وأخرى بدوية بعيدة عن واقع المشاهد السوري.
إذاً هذا العام يخرج حاتم علي نص «الغفران» الذي كتبه حسن سامي يوسف عن روايته «رسالة إلى فاطمة». ويطرح المسلسل أكثر من سؤال عن الرومانسية الباقية للمواطن العادي الغارق في مفارقات الحياة اليومية، وانشغالاتها وقسوتها. ويسأل: هل هناك مساحة للحب الصادق والبسيط والعميق في يومياتنا المثقلة بالهموم؟
انطلاقاً من هذه الهموم، يبدأ مسلسل «الغفران» الذي تدور أحداثه حول قصة حب بين عزة (سلافة معمار)، وأمجد (باسل خياط). يفترق هذا الثنائي بعد علاقة بدأت أيام المراهقة، بسبب انتقال عائلة الفتاة إلى مدينة أخرى. هكذا تمرّ 11 سنة، يظنّ فيها الحبيبان أنه نسي أحدهما الآخر. إلا أن المصادفة تتدخّل ليلتقي العاشقان، فيعود الحب ويشتعل من جديد بينهما. وتأخذ العلاقة شكلاً أكثر انسجاماً ونضوجاً. لكن هل يستمر هذا الحب ويصل إلى النهاية السعيدة؟
الجواب عن هذا السؤال يبدو صعباً الآن، وخصوصاً أن الكاتب حسن سامي يوسف يرفض الكشف عن النهاية، في انتظار عرض العمل. يوضح في حديثه إلى «الأخبار» أن النص لم يقتبس بحذافيره عن روايته «رسالة إلى فاطمة» كما أشيع، بل اعتمد الرواية مرجعاً فقط، ناسجاً الأحداث لتناسب «الرواية التلفزيونية». ويضيف أن المسلسل سيتضمن أحداثاً جديدة وأسماء وأزمنة غير موجودة على الإطلاق في الكتاب الأصلي. وعند سؤاله عن سبب اعتماد هذه الرواية تحديداً من دون غيرها لتحويلها إلى نص تلفزيوني، وخصوصاً أنها صدرت قبل أكثر من عشر سنوات (1996)، يجيب يوسف «يمكن أي رواية كلاسيكية أن تأخذ قالباً خاصاً يتماشى مع مجريات العصر الذي نعيش فيه».
هكذا يبدو أن «الغفران» يعيد الدراما السورية إلى زمن قصص الحب العاصفة التي افتقدتها في السنوات الأخيرة، إذ برزت الأعمال الدرامية التي تقدّم قصصاً غارقة في العنف، وتدهور الأحوال الاجتماعية والمعيشية لفئة كبيرة من السوريين، إضافة إلى مبالغة كبيرة في الترويج للمجتمع السوري كمجتمع تسكنه الجريمة!
ونتيجة لكل ما سبق، ما كان من الجمهور إلا أن تعلّق بالأعمال التركية المدبلجة التي قدمت قصص حب بسيطة لكن بمستوى هابط. يتدخل كاتب «الغفران» ليوضح أن نصّه ليس رداً على الدراما التركية المدبلجة التي يعدّها سطحية للغاية. كذلك، فالعمل ليس هروباً من طرح موضوع الفساد الرسمي المستشري، وإشكاليات المجتمع السوري، التي ناقشها في آخر أعماله «زمن العار» (كتبه مع شريكه نجيب نصير)، بل يقول إن «الغفران» نص يحكي عن العلاقات الإنسانية، ويغوص في تفاصيل هذه العلاقات وما تكتنزه من مشاعر نبيلة، وعلى نحو صادم أيضاً، على اعتبار أن الإدهاش ليس حكراً على طرح قضايا الفساد والقهر الاجتماعي وما شابه.
أخيراً، يأمل الكاتب حسن سامي يوسف من حاتم علي وفريقه الفني أن يُخرجوا إلى النور عملاً أفضل من السيناريو المكتوب، وخصوصاً أن أغلب الأعمال والشخصيات التي كتبها ظهرت متقنة في مسلسلات سابقة. وكان لافتاً اعتذار أكثر من ممثل عن عدم أداء دور البطولة في هذا العمل، ومنهم تيم حسن، ونسرين طافش، ثم مكسيم خليل. إلا أن حاتم علي تمكّن من استقطاب مجموعة من نجوم الصف الأول لتجسيد أدوار البطولة، وهم باسل خياط، وسلافة معمار، وزهير عبد الكريم، وتاج حيدر، ورامي حنا، ونجلاء خمري، وقيس الشيخ نجيب، ونادين خوري، وآخرون...
وخلال مدة قياسية، أي 54 يوماً، حاول حاتم علي الانتهاء من عمليات التصوير التي بلغت مراحلها الأخيرة. يذكر أن العمل هو التعاون الأول بين المخرج السوري و«شركة عاج للإنتاج». ومن المتوقّع أن يكون «الغفران» جاهزاً للعرض في رمضان المقبل على شاشة «دبي» الفضائية، وهي شريكة أساسية في إنتاج المسلسل. وبالتالي، ستكون أولى المحطات التي تعرضه، على أن يُبثّ على مجموعة من المحطات العربية الأخرى.
إذاً «الغفران» هو محاولة لتقديم رواية تلفزيونية بمستوى أدبي روائي متميّز معتمدة على الحب والرومانسية مادة أساسية لها، لكن من دون خلوّها من الكآبة، وتدابير المصادفات التي كثيراً ما تقود إلى المآسي الكبرى... ولكنها مآس ٍمن نوع آخر، لأنها نابعة من السـؤال الأبدي: ما هي السعادة؟ وأين تكمن عناصرها؟ وكيف يمكن الوصول إليها بأقل قدر من الخسائر؟


«السراب»... جواب نهائي؟

بعيداً عن «الغفران»، أنجز حسن سامي يوسف ونجيب نصير نصاً جديداً سمّياه «إنفلونزا الطيور» من إنتاج «شركة الجابري». وقد بدأت أمس كاميرا المخرج مروان بركات تصوير مشاهد العمل الذي آثر مخرجه أن يغيّر اسمه ليصبح بالمبدأ «السراب». يروي المسلسل قصة ثلاث مناطق في دمشق، تعبّر كل واحدة منها عن شريحة اجتماعية: من المناطق الراقية إلى دمشق القديمة، وصولاً إلى العشوائيات. ثم يطرح العمل قصة رجل يعمل في مسلخ دجاج يتعرض لوعكة صحية فيفحصه طبيب بيطري ويطلب منه فحوصاً لأنه يعتقد أنه مصاب بـ... إنفلونزا الطيور!