الجزائر| شهدت الساحة السينمائية الجزائريّة، وخصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة، ظهور عدد من الأسماء الجديدة التي تحاول فرض نفَس ونبض جديدين. تجارب مغايرة، يتقارب أصحابها سناً ورغبة في التجاوز، وإن اختلفوا في نظرتهم إلى الراهن. القاسم المشترك الأساسي بينها يبقى السعي إلى تحقيق القطيعة مع تجارب السنوات السابقة، لكن المؤسسة الرسميّة لا تكاد تعترف بوجود الموجة الجديدة!
بل إن الجزء الأهم من ميزانية القطاع العام للسينما في الجزائر، خلال السنتين الماضيتين، استُنفد في مشاريع ضخمة تتحرّك فوق أرضيّة مكرّسة سلفاً. نفكّر على وجه الخصوص في الفيلمين التاريخيّين «مصطفى بن بولعيد... أسد الأوراس» (2008) لأحمد راشدي، و«خارجون على القانون» لرشيد بوشارب. علماً أن هذا النوع من الأعمال يحظى باهتمام عالمي من دون أن يخاطب الجمهور الجزائري في صميمه.
حقيقة يتجرّعها العديد من الفاعلين على الساحة الثقافية في الجزائر، وتدفع المخرج مؤنس خمار (30 سنة)، الذي نال شريطه «المسافر الأخير» جائزة «أفضل فيلم عربي قصير» في «مهرجان أبو ظبي السينمائي» الأخير، إلى القول: «السينما الجزائرية تبحث عن انطلاقة جديدة بعدما عانت تبعات سنوات الدم في التسعينيات». ويتابع: «أفضّل الخوض في طرح أسئلة الراهن. لكن لو فكرت يوماً في العودة إلى أسئلة الماضي، وخصوصاً الحقبة الكولونيالية، فسأتعامل معها وفق نظرة مختلفة».
طرح لا يختلف كثيراً عما تذهب إليه ياسمين شويخ (28 سنة)، صاحبة فيلمي «الباب» (2007) و«الجنّ» (2010)، التي تتأسّف على اتساع دائرة الرقابة الذاتيّة التي تكبح كثيراً التجارب السينمائية الشابّة. تقول: «صحيح أن الجهات الرسمية، باعتبارها المموّل المادي للمشاريع السينمائية، تفرض دفتر شروط وتتحكم في مسار الفيلم، إلّا أنّ الرقابة الذاتية أيضاً صارت تشهد اتساعاً، والمخرجون يفرضون على أنفسهم خطوطاً حمراء وهمية».
يمكن تفسير مخاوف المخرجين السينمائيين الشباب برغبتهم في تفادي المصير الذي شهده فيلما «ديليس بالوما» (2007) لنذير مخناش، و«لو في الصين» (2009) لمالك بنسماعيل، اللذان مُنعا من العرض في الصالات من دون تبريرات مقنعة.
تعتزم وزارة الثقافة الجزائرية التركيز أكثر على تمويل الأفلام التاريخية، التي تطرح تطورات الثورة التحريرية (1954 ـــــ 1962)، تحضيراً للاحتفالات الرسمية في مناسبة مرور نصف قرن على استقلال الجزائر. هذا الخيار «الرسمي» الذي يذكّر بسياسة البروباغاندا في الأنظمة الشموليّة، قد يحجب الدعم المادي عن أصحاب مشاريع سينمائية أخرى، وخصوصاً تلك التي تخوض في أسئلة الراهن.
في هذا السياق، تقول المخرجة فاطمة الزهراء زعموم، صاحبة «زهر» (2008): «من أجل الخروج من حالة الابتذال التي تشهدها السينما الجزائرية، لا بد من الاستماع إلى صوت الجيل الجديد. وهو جيل تربّى وكبر خلال عشرية الدم والموت في سنوات التسعينيات».
عوامل كثيرة صارت تتحكم في سياسة وضع ميزانية الدعم السينمائي في الجزائر، في ظل تراجع المؤسسات والشركات الخاصة عن أداء دور فاعل في هذا المجال. لكن الأكيد أن تجربة الأفلام التاريخية الغارقة في الخطابات القومية السطحية، قد استُنفدت وباتت تمثّل عائقاً بوجه التجديد والإبداع ومساءلة الراهن المضطرب. هكذا تتجاهل السياسة الرسميّة، مستقبل السينما الجزائريّة، وتحدّده اليوم مجموعة من السينمائيين الشباب، الذين فرضوا حضورهم من خلال لغات ومشاغل وأساليب مختلفة... ونالوا شرعيّة عربيّة ودوليّة، من «البندقية» إلى «كان»، ومن «طنجة» إلى «أبو ظبي»... في انتظار الاعتراف بأعمالهم في أرض الوطن.


«وهران» تعانق القاهرة

انطلقت يوم الخميس الماضي، فعّاليات الدورة الرابعة من «مهرجان وهران السينمائي الدولي» الذي يستمر حتى 23 الحالي. سمة الدورة الحاليّة حضور ملحوظ للسينما المصرية، بعد قطيعة فنية وثقافية بدأت مع واقعة أم درمان التعيسة الذكر. ويشارك في المسابقة «ميكروفون»، فيلم أحمد عبد الله الفائز بجائزة «أفضل فيلم عربي» من مهرجان القاهرة الأخير. كما يشارك من مصر فيلم «أحمر باهت» لمحمد حماد، ضمن مسابقة الأفلام الروائية القصيرة. ويشهد المهرجان مشاركة 13 فيلماً روائياً طويلاً في مسابقته الرسمية، من بينها «خارجون عن القانون» لرشيد بوشارب.