«ولفقرتنا الأخيرة، أودّ أن أطلب مساعدتكم. هل يستطيع الناس، في المقاعد الرخيصة، التصفيق؟ وأمّا أنتم... فتستطيعون أن تهزّوا جواهركم». هذا ما طلبه جون لينون من الجمهور في إحدى حفلات الـ«بيتلز» في لندن عام 1963... أما الحضور الذي ينتهر علية القوم فيه، فكانت تتصدّره يومذاك إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا! هكذا كان لينون: ساخراً أحياناً، وسياسياً وثورياً قدر ما استطاع. في الذكرى الثلاثين لاغتياله في نيويورك عام 1980، يأتي «فتى اللامكان» Nowhere Boy، ليلقي الضوء على مراهقته في ليفربول. الفيلم الروائي البريطاني/ الكندي الذي يحمل توقيع الفنانة البصريّة والمصوّرة الإنكليزية سام تايلور وود، مقتبس عن مذكرات جوليا بايرد الأخت غير الشقيقة لجون.
أنتج الفيلم أواخر 2009، ووصل إلى الصالات الأميركيّة والعالميّة أخيراً، وهو يروي الفترة التي سبقت تأسيس فرقة الروك الأسطوريّة. سنتعرّف هنا إلى امرأتين خلّفتا أثراً كبيراً في حياة لينون (آرون جونسون): والدته جوليا (آن ـــــ ماري داف)، وخالته ميمي سميث (كريستن سكوت توماس) التي ربّته في صغره، لعدم رضاها عن طريقة عيش أختها الصغيرة.
ما نراه في الفيلم هو طموح جون، وذلك القدر الكبير من الشغف بخلق مشروع موسيقي عظيم، رغم ظروف عائلته الصعبة. محاولات مخرجة الفيلم جاءت موفّقة إلى حدّ ما في إعادتنا إلى ليفربول الخمسينيات. بعيداً عن السجالات الكثيرة التي ترافق أعمالها الفنية عادةً، قدّمت تايلور ـــــ وود سيرة اعتيادية. متعة مشاهدة لينون كمراهق تطغى على كل شيء آخر، تعززها جودة التصوير والأزياء. نوع من اللذة المذنبة، لأنّها تدفعنا إلى التغاضي عن توجّه الشريط نحو التسطيح الدرامي أحياناً.
يأتي هذا الفيلم بعد أفلام حديثة أخرى تتناول لينون والـ«بيتلز» بطريقة أو بأخرى... من الفيلم الوثائقي «الولايات المتحدة ضد جون لينون» (2006) الذي يتناول تحوُّل لينون من عضو في الـ«بيتلز» إلى ناشط سياسي، مروراً بفيلم «عبر الكون» الموسيقي (2007) الذي استوحى قصص أبطاله من أغاني الـ«بيتلز» على خلفية حرب فييتنام. من المفيد الآن محاولة الإجابة عن سؤال يتعلّق بالأثر الذي لا يزال يحدثه جون لينون في نفوس الشباب، بعد ثلاثة عقود على وفاته. قد يكون أثراً ورمزاً للحظة التي ثارت فيها الموسيقى منتصرةً للشعب، من خارج الأطر الإيديولوجيّة الضيّقة.