قريباً أونلاين رغم أنف الـ Hackers



«نحن هنا تضامناً مع أنفسنا». العبارة ردّدها أكثر من خطيب يوم أمس، في اللقاء الذي استضافته «دار الندوة» في بيروت، بحضور شخصيات سياسيّة وإعلاميّة وثقافيّة. عودة إلى محطّات من أسبوع الحصار الذي هزّ الإعلام العربي

ليال حداد
بعد أسبوع على تعرّض موقع صحيفة «الأخبار» للقرصنة الإلكترونية، نظّمت مجموعة من الناشطين الحقوقيين والسياسيين، بينهم منح الصلح وسايد فرنجية ومعن بشور، لقاءً جمع قرّاء الصحيفة وأصدقاءها وعدداً من المثقفين والإعلاميين، للتعبير عن استنكارهم لهذا الشكل الجديد من أشكال الاعتداء على الإعلام الحرّ في العالم العربي. «كل الأحرار في العالم يستنكرون ما تعرّضت له «الأخبار»»، قال رئيس مجلس إدارة «دار الندوة» منح الصلح في اللقاء الذي عُقد في مقر الدار في بيروت.

وقد أجمع كل الخطباء على هذه النقطة، إذ أكّدوا أن التضامن مع الجريدة ضدّ الضربة القويّة التي تعرّض لها موقعها الإلكتروني، «هو تضامن مع أنفسنا بالدرجة الأولى ضد كل من يحاول أن يحدّ من حرية الصحافة والتعبير... فالقرصنة التي حصلت تعبير سلطوي يحاول أن يفرض رأياً واحداً... «الأخبار» قلعتنا لأن الكلمة هي المقدمة الأولى للديموقراطية»، كما قال النائب البيروتي السابق بهاء الدين عيتاني.
وقد تكون الكلمة الأكثر تعبيراً عن حقيقة الوضع الإعلامي العربي، هي تلك التي ألقاها مدير مكتب «الجزيرة» في بيروت غسان بن جدو الذي بشّر الحاضرين بأنّ «المرحلة المقبلة ستشهد الكثير من أعمال القرصنة ضد وسائل الإعلام». وأضاف: «أكثر من مكتب لأكثر من وسيلة إعلامية سيقفل، وعدد كبير من الصحافيين سيُلاحقون»، مذكّراً بإقفال مكتب الفضائية القطرية في الكويت مطلع هذا الأسبوع. وعبّر الإعلامي التونسي عن أسفه لغياب صحافيين وشخصيات من الطرف الآخر، يتضامنون مع «الأخبار» كجريدة بقطع النظر عن موقعها السياسي. أما الوزير السابق عصام نعمان، فأشار إلى أهمية وثائق «ويكيليكس» التي نشرتها «الأخبار»، مؤكداً أن «الحرية التي ينادي بها فلاسفة النظام الطائفي... مقيّدة بحدود هذا النظام، وعندما تتجاوز مصالحه ينبري إلى مواجهتها بأسوأ الوسائل». وفي إطار التضامن مع «الأخبار»، ذكّر عدد من المتحدّثين بضرورة دعم «الإعلام الحر» في مختلف أنحاء العالم العربي. كذلك أعلن معن بشور اتصالات تجري حالياً على الصعيد العربي والدولي لتنظيم لقاء موحّد هدفه حماية الإعلام. ولم يخلُ التضامن من بعض المداخلات التي طالبت بتحديد هوية الجهة المقرصنة، كما قال الكاتب والباحث فواز طرابلسي، مشيراً إلى أن الصفحة التي احتلّت موقع صحيفة «الأخبار» هي صفحة سعودية، «أريد أن أسمع شخصاً يتّهم السعودية، لا أميركا وإسرائيل فقط» قال.
أما سعد الله مزرعاني، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، فاستغرب غياب نقابتي الصحافة والمحررين، علماً بأن الأخيرة تمثّلت بكلمة مقتضبة ألقاها عرفات حجازي. وتحدّث في اللقاء كلّ من معن حمية (الحزب السوري القومي الاجتماعي)، ومحمود قماطي (نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله)، إلى جانب سايد فرنجية الذي أدار اللقاء، وحسن موسى، وعلي محيي الدين، ومفتي فلسطين في الشتات محمد نمر زغموت، ومحمد قاسم، وسهيل قصار (حزب البعث العربي الاشتراكي)، وزياد عيتاني (المرابطون)، وسعيد الصبّاح، وأسعد حمود (الشباب القومي العربي). وفي الختام، ألقى الزميل عمر نشابة كلمة، بالنيابة عن الزميل إبراهيم الأمين الذي ألمّ به مصاب عائلي، وباسم أسرة «الأخبار» والعاملين فيها، مؤكداً أن الصحيفة ستبقى منبراً مفتوحاً لكل التوجهات «والصوت الذي لن يقوى أحد على إسكاته...». ثمّ أعلن أن الفريق التقني في الجريدة تمكّن من معالجة موضوع القرصنة، وأن عودته ستكون في الأيام المقبلة. أما سبب التأخير، فهو «تحصين الموقع من أية هجمات مقبلة».


شكراً للقراصنة!



بيار أبي صعب
للهاكرز، عفاريت الفضاء الافتراضي، صورة لا تخلو من الرومنسيّة. نفترض أن هؤلاء الفوضويّين المهووسين بالطلاسم، يستخدمون خبراتهم وعلمهم وذكاءهم كي يتمرّدوا على البيغ براذر، ويتحدّوا النظام الإلكتروني الجديد ـــــ ولو كلّفهم ذلك أثماناً قانونيّة مرتفعة ـــــ وينتصروا للفرد ضدّ الآلة الساحقة التي ابتلعت العالم. من هذا المنطلق اختُرِقَتْ أنظمة مؤسسات رسميّة حساسة في دول عظمى، أو شركات رأسماليّة ضخمة... لكن ماذا حين تطبّق «مبادئ» القرصنة في الاتجاه المعاكس، وتصبح وسيلة بيد السلطة المهيمنة الساعية إلى إسكات النقد، ومصادرة الاختلاف؟
التجربة التي عاشها قرّاء «الأخبار» وكتّابها أخيراً، بغض النظر عن الجهة التي أغارت على موقعنا، لها عواقب إيجابيّة في النهاية: فقد أكّدت المكانة التي نجحنا في احتلالها داخل الشبكة العنكبوتيّة، ونبّهتنا إلى ضرورة الاستعداد لمواجهة أشكال جديدة من العدوان، في موازاة وسائل القمع التقليديّة، كلّما نشرنا كلاماً موجعاً أو حقائق مُرّة. الشخصيّات المتنوّعة الآفاق التي تضامنت مع الجريدة أمس، في «دار الندوة»، تنتمي في معظمها إلى جيل سابق على النت. وكان قد سبقها تضامن واسع في الفضاء الافتراضي، من جيل الفايسبوك. بإمكان «الأخبار» إذاً أن تعتزّ بكونها جسراً، ممانعاً ونقديّاً وتقدمياً وعربيّاً وديموقراطيّاً وتنويريّاً، بين زمنين وجيلين.


صفّارة «ويكيليكس» تضرب مرّتين



نادين كنعان
يعود مصطلح الـ whistle blowing إلى وقت سبق تسريبات «ويكيليكس» بكثير؛ فهو أمر يحصل داخل أي مؤسسة، مهما كانت طبيعة عملها، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية... هذا المصطلح في الثقافة الأنغلو ـــ ساكسونيّة يشير إلى تقليد «فضح المخالفات» بهدف تنبيه المسؤولين والرأي العام إلى خطر ما يهدّد المصلحة العامة. مثلاً، عندما يفضح موظف، من خلال كشف الوثائق، عن قضية رشوة أو فساد أو اختلاس داخل المؤسسة التي يعمل فيها. ولعلّ ما فعله «ويكيليكس» الذي أطلقه جوليان أسانج (الصورة)، وكميّة الوثائق التي نشرها من تسريبات تتعلق بالخارجية الأميركية، هو تجسيد أمين لمبدأ الـ whistle blowing. إذ يعتقد أن الجندي في الأميركي، برادلي مانينغ، قام بهذه التسريبات. إلا أن الأمر ليس سابقة. في عام 2000، زوّد المحلل في الاستخبارات الأميركية دانيال ألزبرغ، صحيفة «نيويورك تايمز»، بدراسات تحليلية عن «التاريخ السري» لنشاط الجيش الأميركي السياسي في جنوب شرق آسيا. وبعيداً عن السياسة، زعم عام 2003 نائب مدير التسويق في شركة «فايزر» الأولى في مبيعات الأدوية عالمياً، أن هذه الأخيرة روجت لهورمون النمو البشري بطريقة غير شرعية. كذلك، في لبنان سرّب بعض موظفي «الهيئة العليا للإغاثة» معلومات عن التجاوزات المالية التي قامت بها الهيئة قبل حرب تموز 2006 وبعدها، إضافة، بين أمثلة كثيرة أخرى، إلى حصول «الأخبار» على محاضر التحقيقات مع شهود الزور في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري...

بيانات الموقع سلمت من التخريب: أبجديّات قرصنة معلنة



كيف توصد الأبواب فجأة في وجه زوار موقع معيّن على الإنترنت؟ في الأيّام العصيبة الماضية، باتت «القرصنة» التي تعرّض لها موقع «الأخبار» على كل شفة ولسان، وتخطّى الاعتداء المؤذي دائرة القرّاء العرب ليصل إلى الصحافة العالميّة. لكن ما هي طبيعة هذا «الاجتياح» الافتراضي؟ كيف يحصل، عادة؟ بتعبير آخر: ما هي القرصنة؟ هل هذه المرة الأولى التي يحاول أحدهم اختراق موقع «الأخبار»؟ ما هي الأساليب التي يستعملها المشرفون على أي «ويبسايت» لحمايته؟ والأهم: هل يمكن معرفة هوية الجهات التي تقف خلف العملية؟ وهل يمكن مقاضاتها؟ عشرات الأسئلة طرحت نفسها على كثير من القرّاء، بعد ازدهار عمليات القرصنة في أنحاء العالم، وخصوصاً بعد نشر وثائق «ويكيليكس». واللافت أن هذا التمرّد على النظام الإلكتروني لا يقتصر على طرف معيّن. بل إن مناصري جوليان أسانج (مؤسس «ويكيليكس») لم يتردّدوا في مهاجمة المواقع التي «تواطأت» على «روبن هود الإنترنت». كذلك، فالجهات المتضررة من هذه التسريبات شنّت بدورها ردّاً مضاداً. وفي هذا الإطار، تأتي قرصنة موقع «الأخبار» التي أدرجها كثيرون في سياق «حرب عالمية ضدّ «ويكيليكس»». انطلاقاً من هذا الواقع، يبدو تحديد الجهات التي تقف خلف عملية «الهاكينغ» صعبة، وإن كانت أصابع الاتهام موجّهة بنحو أو بآخر، إلى جهات تنطلق من اميركا(ربّما مع تواطؤ نظام عربي معيّن أو جهاز محلّي ما)، وخصوصاً إذا قارنّا بين الوسائل والقدرات المستعملة في ضرب موقع «الأخبار»، وما تعرّضت له مواقع أخرى في الفترة الأخيرة.
وبغض النظر عن الجهة المنفّذة وتلك التي أصدرت الأمر، فالأكيد هو أن موقع الصحيفة تعرّض في السنوات الأربع الماضية لمحاولات اختراق عدّة، لكنها لم تكن بخطورة ما حصل الأسبوع الماضي. الهجوم الذي حصل يسمّى «اختراق نظام أسماء النطاقات» أو Domain hijacking. أما تفسيره البسيط فهو الآتي: كل موقع في العالم يملك ما يعرف بـ«عنوان الآي. بي.» IP وهو عنوان رقمي. هكذا، كل مرة نطبع اسم موقع، يتحوّل هذا الاسم إلى العنوان الرقمي، فتفتح أمامنا الصفحة التي نريد مشاهدتها. عملية قرصنة «الأخبار» حوّلت عنوان الموقع www.al-akhbar.com إلى «آي. بي.» آخر، وبالتالي إلى موقع آخر. وفي حالة الاختراق الأخير، كان الموقع البديل هو «سعودي انحراف»، بينما بقيت صفحات الموقع سليمة ولم يتمكّن القراصنة من اختراقها وتعديل محتوياتها. وتزامن «اختراق نظام أسماء النطاقات» مع نوع آخر من القرصنة، يدعى DDOS أو «نظام هجمات الحرمان من الخدمة الموزّعة». هنا، يغرق الـ«هاكرز» الموقع بسيل من البيانات الوهمية، ما يبطئ عمله. مثلاً إن كان الموقع مصمّماً لاستيعاب 1000 زائر في الثانية، يرسل القراصنة بيانات لمئة ألف زائر (ومن أماكن مختلفة في العالم)، وهو ما يفوق قدرة الموقع على الاحتمال فيبطئ عمله، أو يتوقّف نهائياً. وهذا الهجوم الأخير المسمّى «إيدز الإنترنت» بسبب غياب أي حل فعّال له، ازدهر أخيراً مع نشر وثائق «ويكيليكس». وقد نفّذه مناصرو أسانج في اختراق مواقع الشركات المالية الكبرى مثل «ماستر كارد»، ما عطّل عملها لساعات.
اليوم، استعادت «الأخبار» الموقع، وما هي إلا أيام حتى يعود بنظام حماية أفضل. واللافت أنّه رغم توقّف al-akhbar.com عن العمل، إلا أنّ عدد قرّائه بقي مرتفعاً. في الأيام العادية، يصل معدّل متصفّحي الموقع في العالم إلى 70 ألف زائر. أما المدوّنة البديلة التي وفّرتها الصحيفة www.akhbarbeirut.wordpress.com
فقد وصل عدد قرائها إلى 40 ألفاً.
ليال...


ذلك الخميس... عند الرابعة فجراً



صباح أيوب
عند الرابعة من فجر الخميس الماضي، تلقّى حسن اتصالاً من أقاربه في البرازيل: «ماذا يجري على موقعكم؟ هل أنتم بخير؟» سأل الصوت الآتي من بعيد. سارع زميلنا إلى الاتصال بمنصور الذي كان مستيقظاً ويعمل. «لا بد من أنّ الحرب قد اندلعت» ظنّ علي للوهلة الأولى حين استفاق ليجد ٤٧ رسالة و«ميسد كول» على هاتفه صباح ذلك اليوم: «موقع الجريدة مقرصن». لم يتناول علي قهوته. هرع الى مقر الجريدة، فوصل متجهماً مصفراً كمن شاهد فعلاً متاريس حرب في الطرقات.
عند الثامنة والنصف من صباح ذلك اليوم، تلقّيت اتصالاً من صديقة تبلغني بصوت خافت: «يبدو أن إدارة الشركة (حيث تعمل) حجبت موقع «الأخبار» عن أجهزة موظفيها إذ لا أحد تمكّن من قراءة الجريدة»! ابتسمتُ ساخرة وعدت للنوم. وما هي إلا دقائق حتى انهالت الاتصالات والرسائل: هل الموقع معطّل؟ أين «الأخبار»؟ رسائل من دبي، وفرنسا وعكار... «سعودي انحراف» هذا ما ظهر على شاشتي حين أردت دخول موقع «الأخبار». بات الأمر رسمياً إذاً: اخترق القراصنة موقعنا.
الهدوء يعمّ أجواء غرفة «شباب الويب» على غير العادة. الأعين والأسئلة تتجه إلى منصور الجالس مع جهاز الكومبيوتر. عيناه الحمراوان مسمّرتان على الشاشة، وهو لم ينم منذ أسبوع مع بداية نشر «الأخبار» وثائق «ويكيليكس» على موقعها. بصبر وأناة يردّ منصور على السائلين مكرّراً العبارة نفسها: «نحاول حل المشكلة لكن لا أستطيع تحديد موعد العودة».
الكلّ حضر واتخذ موقعه المعتاد أمام جهازه في المكتب. غياب الموقع لا يعني يوم عطلة لـ«شباب الويب». والحلّ: ننقل الموقع الى صفحة أخرى؟ مدوّنة خاصة؟ عليها صفحات بنسخة PDF؟ هذا ما حصل. استطاع علي خلق مساحة بديلة، وها نحن نعود إلكترونياً. في خضمّ هذه الزحمة، جاءت كاميرات «المنار» و«الجديد» و«فرانس 24» لنقل الحدث. فُتحت العدسات على أحد أكثر الأقسام العاملة خلف الأضواء! ثم حلّ الليل ولمّا ينفكّ الحصار بعد. لكن بعض الأصدقاء من ذوي الخبرة تجمهروا هنا. كلّ يضع جهازه في حضنه منكبّاً على العمل. والعنوان العريض: لا نوم الليلة. في صباح اليوم التالي كان منصور في المكتب، بثياب رياضية... وبكلام أقلّ.
فجأة أحسسنا أننا نفتقد شيئاً أساسياً صار جزءاً من حياتنا اليوميّة: «صراحة، اشتقنا لمروان وجاسر وعايدة وهيفاء وأبو هادي والزرقا وماجدة... والقائمة تطول لتشمل كل هؤلاء القرّاء، كتّاب الظل الذين يؤنسوننا بتعليقاتهم على الموقع، رغم كثافتها على مدار الساعة». فكّر بعضنا في الاطمئنان إلى أن بعض هؤلاء «الأصدقاء» ما زال يواكب الجريدة على الموقع البديل، علماً بأن مجموعات كثيرة نبتت فجأة على «فايسبوك»، ليس فقط للتضامن، بل لإحياء النقاشات والتعليقات والحوارات بين قرّاء «الأخبار» من جهة، ومع كتّابها من جهة أخرى.
«منصور، أين أصبحنا يا منصور؟ متى تنجح في فكّ الحصار؟». إنه مطرق، عيناه مسمّرتان على شاشة محموله الماكينتوش، لا يجيب، ثم يتمتم بكلمات غير مفهومة. «آخ... لو ألتقي بذلك القرصان» تعلّق إحدى الصديقات المتضامنات. كان الجوّ قد «ترحرح» قليلاً، وجاء المزاح ليخفف من وطأة الموقف، ويمتصّ حالة التوتّر القصوى، حين خرج منصور عن صمته أخيراً: «مشي الحال. حان وقت الاحتفال»!


هكذا تلقّينا الصدمة في صنعاء...



صنعاء ــ جمال جبران
كنت أسهر مع رفاقي في الجريدة التي أعمل فيها في صنعاء، نضع اللمسات الأخيرة على العدد الثقافي الأسبوعي قبل إرساله إلى المطبعة. خلال هذا الوقت، تكون شاشة حاسوبي مفتوحة على «الأخبار». ابتداءً من منتصف الليل، يبدأ تنزيل المقالات. بعدها يكون الموعد مع الجريدة بصيغة الـ«بي دي إف»، وهي الصيغة التي أقرأ بها «الأخبار». يمتعني أمر النظر إلى شكلها الإخراجي.
وكالعادة، انتظرت وصولها إلى هذه المرحلة قبل أن أُشغل بأمر ما مع رفاقي. عدت بعدها لأجد شاشة الحاسوب وقد تلونت بواجهة وردية. اعتقدت أول الأمر أني أخطأت من دون قصد، لكن لم يخطر في بالي قط أن «الأخبار» تقرصنت.
شعرت وقتها بانتهاك شخصي تعرّضت له. يشبه الأمر أن يُسرق منك شيء تعدّه ملكاً شخصياً. الغريب أنّ هذا الأمر لا يحصل معي للمرة الأولى. اعتدت، لكوني صحافياً يعمل في اليمن، قصة الانتهاكات هذه. لكن هذه المرة اختلف الأمر. هو شعور من يرى شيئاً يخصه يُسرق منه، ولا يقدر على فعل شيء.
لكن شعور العجز هذا تلاشى وأنا أرى ردود الأفعال التي أتتني من أفراد وجهات مختلفة. كان الصوت العام مجمعاً على حقها في تقديم رأيها في مختلف القضايا. قد تخطئ وقد تصيب، وهذا من طبع البشر، لكن لا أحد يختلف على فرادتها واحترامها لقارئها ولمهنيتها.
الآن، وقد تخطت جريدة «جوزف سماحة» ـــــ كما يسميها بعض الرفاق هنا ـــــ عقبة جديدة في طريقها المهني، لا شك في أن هذا الطريق لن يخلو من عقبات أخرى، ما دامت قد اختارت خطاً يحترم عقل قارئها ولا ينساق وراء الصوت العالي والشعبوي بحثاً عن مكاسب سريعة لا تحفر في الضمير الجمعي.


فرنسا الرسميّة مع «الحريّة» ولكن...



باريس ــ بسّام الطيارة
لا شكّ في أن وثائق «ويكيليكس» التي نشرتها «الأخبار» لفتت انتباه الصحافة العالمية. تناولت هذه الأخيرة التسريبات اللبنانية، والعربية، مسلطةً الضوء على الصحيفة اللبنانية، وردود الفعل التي أثارها نشر الوثائق. هكذا قرأنا مقالات عدة تناولت محتوى التسريبات، وخصوصاً تلك المتعلقة بوزير الدفاع اللبناني إلياس المرّ. وقد يكون ما كتبته جريدة «لو فيغارو» الفرنسية الأسبوع ماضي. إذ رأت الصحيفة في مقالة موقعة باسم سيبيل رزق أن ««الأخبار» نشرت حصرياً مجموعة من هذه البرقيات الدبلوماسية»، ووضعتها في الخانة نفسها مع «الصحف التي تتمتّع بامتيازات «ويكيليكس» مثل «نيويورك تايمز» الأميركية، و«غارديان» البريطانية، و«لو موند» الفرنسية، و«إل باييس» الإسبانية». وفي إطار الاهتمام الفرنسي بالوثائق، علّق الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنارد فاليرو على قرصنة موقع «الأخبار»، وقال إنّ «باريس تقف بطبيعة الحال مع حرية الإعلام وتبادل المعلومات». إلا أنه أضاف أن «الحرية لا تعني خرق الأنظمة كما هي الحال مع «ويكيليكس»». وأعاد فاليرو التذكير بأن الخارجية الفرنسية نظمت مؤتمرات عدّة، تناولت موضوع الحرية على الإنترنت «حتى لا تعمّ الفوضى هذا الفضاء الافتراضي». وأنهى كلامه قائلاً إنه بالنسبة إلى «ويكيليكس» فإن القضاء الأميركي قد فتح ملفاً في الموضوع و«من المفيد متابعته». وعما إذا كان يرى أن القرصنة التي تعرّض لها موقع «الأخبار» هدفها إسكات «الرأي الآخر»، أعلن فاليرو ببساطة وباختصار أن «فرنسا تدعم حرية الرأي»، من دون أن يشجب هذا الاختراق أو يستنكره.