في 9 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، غيّب الموت جايمس مودي. ليست الحادثة فاجعة في عالم الموسيقى عموماً، لكنها بالتأكيد خسارة كبيرة مما بقي لجيلنا من ملامح تاريخ الجاز القديم والنقي. جايمس مودي (1925 ـــــ 2010)، عازف الساكسوفون (والفلوت ترافرسيير أيضاً) الذي زار لبنان عام 2005، رحل بهدوء عن 85 عاماً مستسلماً لسرطان البنكرياس، تاركاً لنا بسمة لم تكن تفارقه، وعشرات التسجيلات الجميلة.لم يكن مودي رأس حربة في تيارات الجاز التي عايشها منذ أربعينيات القرن الماضي، غير أنه خاض تجارب فنية كثيرة عبر تركيبات خاصة عملت تحت إشرافه، وسجل معها ألبومات خاصة على مدى أكثر من نصف قرن. وفي المقابل، أدى مودي غالباً دوراً أساسياً إلى جانب روّاد الـBe-Bop والـHard-Bop من خلال إسهاماته القيّمة كعازف ومرتجل بارع، تماماً كما فعل مع المؤلف وعازف الترومبت الراحل ديزي غيلسبي. الأخير كان الصديق الذي بدأ مودي الرحلة إلى جانبه، وعمل معه سنوات قبل إكمال المسيرة مع الزملاء القدامى والمواهب الجديدة. هذا ما شهدته «مهرجانات بعلبك الدولية» عندما استضافت مودي مع الفرقة الشهيرة Dizzy Gillespie All-Star Big Band قبل خمس سنوات، بقيادة عازف الترومبون سلايد هابتون.
أنجز جايمس مودي تسجيلات كثيرة وأحيا العديد من الحفلات. بين هذه وتلك، اشتهر العازف الراحل منذ بداياته بـ«ماركة (موسيقية) مسجلة»، وهي الأداء الخاص، مرة عزفاً، ومراتٍ غناءً (بكلمات جديدة ذات طابع شخصي وفكاهي)، لـ«Moody>s Mood For Love» التي بناها على لحن أغنية «In The Mood For Love». هذه الأغنية الثابتة في ريبرتوار مودي، مثّلت ذروة الطرافة الفنية خلال زيارته إلى لبنان، عندما أدّاها على طريقته، ليلة ميلاده الثمانين التي احتفل فيها آنذاك مع الجمهور اللبناني.
عُرف جايمس مودي بتواضع فطري وحنان أبوي وحسّ فكاهة عالٍ وروح مرحة. وتضاف إلى ذلك قامة قصيرة، وبسمة بريئة ولثغة طفيفة، ما جعله أكثر من موسيقي في إطلالاته الحيّة خاصة. إنه الشخصية المحبّبة لدى الجمهور والزملاء الموسيقيين، والعجوز الذي حافظ على الطفولة في حضوره كما على الشباب في حركته الرشيقة وعزفه على آلاتٍ تتطلب قدرة جسدية (على مستوى الرئتين).
لذا، لا تكفي التسجيلات الصوتية للتعرّف إلى هذه الشخصية. الصورة الحية في الحفلات تبقى خير دليل للولوج إلى جوهر جايمس مودي الفنّان والإنسان. فلنشاهد حفلة تكريم إيلا فتزجيرالد (We Love Ella) التي شارك فيها الموسيقي الجميل، وأيضاً تلك التي يظهر فيها مع ديزي غيلسبي في لندن (1989)، وكلاهما متوافر على DVD.