عشية عيد الصليب، كانت التحضيرات لجني موسم «المبروكة» قد بدأت. بعض المزارعين سعى لاستدراج عروض أسعار من التجار بهدف بيع الحقل ومحصوله «بأرضه»، وبعضهم سعى لتأمين العمال من اجل القطاف، والتنسيق مع مزارعين آخرين لتحضير المعدات (آلات الغربال والمقطف والمخفف والشرائط المختلفة لها)، لإنتاج غلة الموسم «الواعدة» وتصنيعها ومن ثم بيعها.
منذ مدّة، اينعت حقول الحشيشة «البكيرة» (التي زرعت في موعدها ما بين منتصف آذار وأواسط نيسان)، وبدأ لونها الأخضر يميل نحو الصفرة، وشرع زارعوها في انتزاع «النبتة الذكر»، بحسب ما يشرح المزارع أبو عبده لـ«الأخبار»، اذ ان الحشيشة تُستخرج من سائل تفرزه زهرة النبتة الأنثى فقط... أما الحقول «اللقيسة» (تزرع في أوقات لاحقة في الحقول والشعب الصغيرة والمساكب القريبة من المنازل)، فسيتأخّر موعد قطافها حتى مطلع شهر تشرين، بحسب شروح ابو عبده، وهي «بالطبع لن تعطي مردوداً جيداً كما البكيرة، الا إذا تأخر الطقس البارد قليلاً».
ليست القوى الأمنية وحدها التي ترصد حقول الحشيشة وتستقصي عنها، ثمة تجّار يصولون ويجولون، بحسب أبو عبده، من أجل «ضمان الحقول المميزة من زارعيها الذين لا يصنعون الحشيشة وإنما يكتفون بزراعتها وبيعها في موسم القطاف». فالتاجر الذي يضمن حقلا «يتكفل باستخدام العمال والحصاد والنقل والتجفيف والتخزين وأحياناً التصنيع».
يقول ابو عبده ان الأسعار الحالية متفاوتة، وتتراوح بين 500 و600 دولار للدونم من النوع الوسط، وتتراوح بين 1000 و1200 دولار للدونم من النوع الجيد. ويشير أنه شخصيا عمد الى «تضمين حقله المزروع بالقنب الهندي على مساحة 17 دونماً لتاجر يعرفه»، مرجحاً أن يفوق سعر ضمان الدونم 1000 دولار، وهذا يمثّل مردوداً جيداً يبلغ 17 الف دولار، وهو ما لا يمكن ان تدرّه اي زراعة من اي نوع.
لا ينتظر الجميع عيد الصليب حتى يقرروا وجهتهم، فالمزارع احمد كان قد اسرع منذ فترة في تضمين 24 دونماً من «المبروكة» بسعر 900 دولار للدونم. يقول انه كان بحاجة الى السيولة لتأمين احتياجات عائلته من أقساط مدرسية وكتب ومونة شتوية ومازوت لأهله في الضيعة... وذلك قبل أن ينزح مجدداً إلى بيروت في منتصف هذا الشهر.
تتألف عائلته من ستة أولاد وزوجة، وهو المعيل لوالدين وشقيقة، يشير الى ذلك للدلالة على حاجاته المتعاظمة الى المزيد من الدخل. ولا يخفي احمد ان موسم الحشيشة يمنحه فرصة التقاط انفاسه: «قيمة تضمين حقل الحشيشة بلغت 21600 دولار. الحمد لله عم نقدر من خلاله نربي ونعلم أولادنا حتى ما يتعذبو متل ما تعذبنا بحياتنا».
إذا كان البعض قد اختصر الرحلة الطويلة لانتاج الحشيشة وتصنيعها عبر تضمينها للتجّار، فإن مزارعين آخرين يفضلون استكمال الرحلة الى اخرها من اجل الحصول على ربح أوفر. اختار المزارع حنّا «المغامرة»، يقول ان التصنيع يتطلب المزيد من النفقات على اليد العاملة وادوات التصنيع، الا انه اكثر ربحية بنحو الضعفين من البيع قبل القطاف. يشرح حنّا ان هناك انواعاً كثيرة يمكن استخراجها من نبتة الحشيشة، من «الزهرة» وهي الأجود، إلى «الكبشة» وأنواعها الأربعة، ومن ثم «تبن الحشيشة» الذي يستعمل في الغالب كسماد للمزروعات والأراضي الزراعية.
يبدأ القطاف عادة من منتصف أيلول وحتى أواخره، حيث يكون النبات الذكر قد أنهى مهمته في عملية التلقيح بواسطة الهواء والحشرات لتبقى الإناث وهي المعنية بانتاج البضاعة. يبلغ اجر العامل الفي ليرة في الساعة. يتم القطاف «بجز» النبتة بالمنجل من اسفل ساقها، ثم تُطرح أرضاً على أكياس من الخيش، ثم تجمع وتنقل إلى أماكن قريبة من أماكن التصنيع، حيث تُفرش على الأرض تحت الشمس حتى تجف. وهذا يتطلب مدة أسبوع أو عشرة أيام كحد أقصى، بحسب المزارع حنا. ومع بدء برودة الطقس تُنقل إلى أماكن مغلقة بعيدة عن الرطوبة والأمطار إلى حين موعد تصنيعها.
يشدد حنا على أن موعد التصنيع يحين مع ارتفاع درجة الرطوبة في الهواء حيث تتماسك المادة الصمغية الزيتية على البذرة والأوراق، لتبدأ من بعدها مرحلة التصنيع ما بين شهري تشرين الثاني وكانون الأول. يشرع العمال في أماكن مغلقة وبعيدة عن الأنظار، بضرب النبات اليابس والجاف بعصي بغية فصل النبات والبذر عن الساق، لتنطلق من بعدها رحلة جني «المحصول المنقّى»، وهو عبارة عن أربعة أبواب من الحشيشة «ماركة صنع في لبنان» يقول حنا.
يشرح المزارع ابو علي أن «الزهرة» تعتبر أجود أنواع الحشيشة، وهي تنتج عن القطفة الأولى حيث تعرض المواد التي فصلت عن الساق على المناخل الأربعة المختلفة الفتحات «الغربال والمنخل والمخفف والمقطف»، في حين ان القطفة الثانية تفرك موادها التي استقرت فوق الغربال في القطفة الأولى، يتم ذلك على طاولة يثبت عليها شريط غربال آخر يسمى «شريط الكبشة»، ثم تنخل وتخفف وتقطف للحصول على الكبشة ــ باب أول بحسب أبو علي. لا يتوقف الإنتاج عند هذا الحد بل تتواصل القطفات للحصول على الكبشة ــ باب ثاني، ومن ثم الباب الثالث ليبقى اخيرا «تبن الحشيشة».
وعليه يتألف «طقم الحشيشة» المنتج من سائر مراحل التصنيع من «هقة زهرة» و«هقة كبشة» و«هقة ثاني»، و«هقة ثالث» و«هقة رابع»، بالإضافة إلى «الزهرة صافي» (الهقة وحدة قياس خاصة بالحشيشة وهي عبارة عن ست أوقيات وربع 1250غ). أما سعر الهقة فيتراوح حالياً بين 600 و 700 دولار، مع ترجيحات المزارعين أن تنخفض خلال الموسم بسبب الإنتاج الوفير لهذا الموسم.