في «البريك» حُسمت كل الأمور. خلع الصوت المسيحي في مجلس نقابة الأطباء في بيروت رداء التحالفات وفعل فعلته. في المعركة الأولى التي انتهت بفوز 4 أعضاء من لائحة «المشاركة النقابية» المدعومة من قوى 8 آذار، و4 آخرين من لائحة «نقابة للأطباء» المدعومة من 14 آذار والمستقلين، رسم الصوت المسيحي المسار. أدخل إلى المجلس 3 عونيين من اللائحة الأولى وكتائبياً ومستقلاً من اللائحة الثانية، مقابل مستقبلي وحركي ومستقلة. لم يلعبوا وحدهم اللعبة، إذ كشفت نتائج غالبية الصناديق أن «الكلّ لعب أرثوذكسي».
لكن، بعيداً عن النتيجة التي حملت 8 أعضاء لم يغيّروا لون المجلس، إذ بقي آذارياً من «الناحية الثامنة» على حدّ قول أحدهم، لكونه لا يزال هناك 8 أعضاء مستمرين في ولايتهم، 5 منهم قريبون من 8 آذار، إلا أن النتيجة لم تكن كما توقعها الكل، إذ حملت 3 سيناريوات: أوّلها سيناريو القاعدة المسيحية المتفلتة من الالتزام، وهو الذي رسم علامة استفهام ما بين «حزب الله» الراسب بفقدانه المساندة العونية والتيار الفاقد السيطرة على قاعدته. ولئن كان البعض ينظر إلى هذا الأمر على أنه «انتصار نقابي» بخروجه من «البلوكات»، إلا أنه بالنسبة إلى البعض كان «ملعوباً» وطائفياً. أما السيناريو الثاني، فهو ما تداوله البعض عن «العلاقات الشخصية» التي لعبت الدور المؤثر في تزكية أشخاص على حساب آخرين حزبيين ومسيسين، كما في حالة الدكتور جان الحاج، المستقل الذي حصد بأصوات «معارفه» والمستقلين المركز الثالث في لائحة نقابة للأطباء وحالة مريم رجب من اللائحة نفسها. أما السيناريو الثالث، فهو انعكاس التطورات السياسية الأخيرة على التحالفات، والتي حملت برافعتها أشخاصاً ما كانوا ليأتوا بأصوات ناخبيهم وأهل بيتهم.
لكن كلمة السر التي حسمت المعركة تبقى الأساس، وهي معركة النقيب المحصورة بين غسان سكاف (تيار المستقبل) عن لائحة نقابة للأطباء وأنطوان البستاني (تيار وطني حر) عن لائحة المشاركة النقابية. وهنا أيضاً، كان الأطباء مدركين أن السيناريوات ستلعب دورها، فركزوا على الصوت القواتي الحاسم. يربح غسان سكاف إن قرر الأخيرون الالتزام سياسياً بانتمائهم إلى 14 آذار، أو البستاني في حال العودة إلى الصوت المسيحي المتفلت. ولـ«القوات» عذرها في حال عدم اختيار سكاف، بعد «الضغط الذي أزاح ريمون الصايغ عن ترؤس اللائحة والترشح لمركز نقيب في اللحظات الأخيرة في لائحة نقابة للأطباء». ورغم هذا السيناريو، كانت المعركة حتى اللحظات الأخيرة «ع المنخار»، خصوصاً أن الفارق في المعركة الأولى كان 33 صوتاً فقط لصالح البستاني. لكن الصادم في كل ما جرى، هو الأعداد التي لم تكن على قدر الآمال. ففي نقابة بيروت التي تضم حوالى 12 ألف طبيب، سدّد7600 طبيب اشتراكاتهم. وفي حين كان ينتظر حضور 4 آلاف طبيب، إلا أن الصناديق أقفلت على 3200 أتى معظمهم في نصف الساعة الأخير استعداداً لمعركة النقيب. لكن، كل ذلك لم ينعكس على الهدوء الذي ساد نهار الاقتراع، بغض النظر عمّا في الحسابات السياسية. وحده، نادر صعب، المرشح المنفرد لمركز النقيب، أحدث في النهار نكهة «جمالية» بحضور الزوجة التي نظّمت صورة زوجها إعلامياً والمروجين لاسمه الذين كانوا في غالبيتهم من الفتيات. أما هو، فلم يكن صعباً أبداً، وإن سجل حضوراً بالجميلات، إلا أنه لم يسجل أصواتاً تحدث ولو أثراً.

تفوّق 8 آذار شمالاً

أما في طرابلس، فقد ردّت قوى 8 آذار الصاع صاعين لقوى 14 آذار، بعد فوز إيلي حبيب (مقرّب من تيار المردة) بمنصب النقيب، متفوّقاً على رولان طنوس (مقرّب من القوات اللبنانية)، بفارق وصل إلى 44 صوتاً. فقد حظي حبيب بـ330 صوتاً، في حين نال طنوس 286 صوتاً، مع الإشارة إلى أن الفارق الذي حصل في الدورة السابقة لم يتجاوز 28 صوتاً لمصلحة فريق 14 آذار.
وجاء فوز حبيب بمثابة ردّ اعتبار له بعد خسارته الانتخابات قبل ست سنوات أمام منافسه النقيب السابق نسيم خرياطي، وسط أداء متماسك للماكينة الانتخابية الداعمة له، ما جعل التنبّؤ بفوزه قائماً منذ فتح صناديق الاقتراع، في ظلّ ارتباك ظاهر في صفوف قوى 14 آذار الذي أسهم فيه انقسام قاعدتهم بين المرشحين طنوس وبشارة الشامي.
وشكلت انتخابات نقابة أطباء طرابلس «بروفة» للتحالف بين قوى 8 آذار والرئيس نجيب ميقاتي، وبيّنت وجود كتلة ناخبة متماسكة لدى هذا التحالف الجديد، من شأنها قلب الموازين والنتائج في أي انتخابات نقابية مقبلة، أو حتى غير نقابية، خصوصاً أن فريق 14 آذار خسر موقع نقيب الأطباء بعد فوزه به مرتين متتاليتين، ما أظهر في المقابل تراجعاً في أدائه وتماسك قاعدته الانتخابية.
في المقابل، كشفت نتائج انتخابات نقابة أطباء طرابلس عن إقبال كبير على الصناديق نتيجة التنافس الشديد بين المتنافسين، إذ اقترع 653 طبيباً من أصل 1111 طبيباً (قرابة 58%) سدّدوا اشتراكاتهم السنوية ويحق لهم الاقتراع، من بين 2030 طبيباً مسجلاً على جداول النقابة، أي إن نحو نصف الأطباء غابوا عن صناديق الاقتراع لأنهم لم يسددوا اشتراكاتهم، وهي نسبة كبيرة تستدعي معالجة مجلس النقابة الجديد.
وكانت الانتخابات جرت على مرحلتين، الأولى قبل الظهر لانتخاب 4 أعضاء في مجلس النقابة، والثانية بعد الظهر لانتخاب النقيب الـ29 للنقابة ليكون خلفاً للنقيب الحالي فواز البابا، بعدما لم تحسم الانتخابات من الجولة الأولى، لأن المرشح طنوس استطاع الفوز في الجولة الأولى التي أهّلته للفوز بعضوية مجلس النقابة، وخوضه بالتالي التنافس على منصب النقيب.
وكشفت الجولة الأولى عن تساوي الطرفين في النتيجة، إذ فاز عن لائحة 8 آذار وميقاتي نديم شقص (359 صوتاً) وجميل عكاري (318)، بينما فاز عن لائحة 14 آذار والجماعة الإسلامية رولان طنوس (316 صوتاً) ومحمد خضرين (314 صوتاً). واللافت أن طنوس نال في الجولة الثانية في انتخابات النقيب رقماً أقل بـ30 صوتاً مما ناله في انتخابات الجولة الأولى للعضوية، وفُسّر ذلك بعدم تماسك القوى التي دعمته، إضافة إلى وجود مرشح آخر مقرّب إلى فريق 14 آذار هو بشارة الشامي الذي رفض الانسحاب من الانتخابات لمصلحة طنوس. وفي حين أكد الأخير أنه المرشح الوحيد لفريق 14 آذار، وليس هناك مرشح آخر، ردّ الشامي بأن «اتصالات عديدة أجريت معي من أجل دفعي نحو الانسحاب، لكنني رفضت لأسباب مبدئية. فأنا لم أترشح لأنسحب، كما أرفض التعاطي معي بالشكل المؤسف الذي حصل»، معتبراً أن تيار المستقبل «أخطأ في طريقة مقاربته للانتخابات، لأن الأطباء نخبة المجتمع ولا يجوز التعاطي معهم مثل عامة الناس».
أما النقيب الجديد حبيب، الذي بدا مرتاحاً منذ البداية لسير الأمور، فقد عبّر عن ذلك بقوله إن «الأجواء جيدة، وقد تلافينا هذه المرّة الأخطاء والثغر التي أدت إلى خسارتنا الانتخابات قبل ست سنوات».



أنطوان البستاني نقيباً

لأن المعركة معركة نقيب، انقلب الهدوء تجييشاً بعد الرابعة عصراً. فالمهمة هنا ليست نقابية، كما حاولوا التسويق لها، إنما سياسية بامتياز. فإما 8 أو 14. لا احتمالات ولا مختلط، كما في المعركة الأولى التي جاءت «مخلّطة من 8 و14 ومستقلين». حتى اللحظات الأخيرة ما قبل إقفال صناديق الإقتراع التي اقترع فيها حوالى 3068 طبيباً، كانت التوقعات تنحو صوب التقارب في الأصوات. لا غالب ظهر قبل فرز كل الصناديق. فكل صندوق كان حالة خاصة بحد ذاتها ولا تحسم. كان الحسم يحتاج الى ساعة من الإنتظار، ريثما تنهي لجنة الإشراف على الإنتخابات إفراغ كل الصناديق للوصول إلى الرابح. وعند الصندوقين الأخيرين، حسم الأمر، وفاز الدكتور أنطوان البستاني، لائحة «المشاركة النقابية» المدعومة من الثامن من آذار، بمركز النقيب بفارق 118 صوتاً عن الدكتور غسان سكاف، من لائحة «نقابة للأطباء»، المدعومة من 14 آذار.
هكذا، كانت المعركة. حامية وحاسمة، على عكس ما كانت عليه الأجواء في الجولة الأولى من انتخاب الأعضاء. وهكذا، صدقت التوقعات عن حسم الصوت المسيحي مرة أخرى للمعركة.