«الهيئات»، (ترى من هيّأها؟) تعارض أي تغيير في شروط الوضع الاقتصادي القائم فلا نظام ضريبي جديد يشغل بالها ولا قانون الانتخاب ولا القضاء المستقل هو همها. تخشى «الهيئات» أي تدبير يطال إصلاح الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة وأي هيكلية اقتصادية أو مالية جديدة.
«الهيئات»، إذاً تريد أن يبقى الوضع كما هو مع الشكوى منه. وهنا يأتي السؤال: لمَ تشكو هذه «الهيئات» إذا كانت راضية عما نحن عليه؟ هي تشكو من «الفساد» في القطاع العام، ومن «تدخل» الدولة في العلاقة بينها وبين الأجير، ومن الإضرابات ومن معلمين لا يَعلَمون ولا يُعلِّمون، ومن تنظيم العمالة الأجنبية ومن الدعوة (مجرد الدعوة) إلى التغطية الصحية الشاملة ومن المطالبة (مجرد المطالبة) بنظام ضريبي عادل ويؤمن التكافل الاجتماعي.
وهي تشكو من الكلام (مجرد الكلام) عن أن «النهضة العقارية» أو العمرانية ليست بنهضة وليست شيئاً يُفتخر به. و«للهيئات» نظرة حين تشير إلى الكلفة في التعليم الرسمي وحالته المزرية وإلى الفاتورة الصحية وحالة اللبنانيين الجسدية والنفسية. لكن «الهيئات» لا تريد البحث عن حلول موضوعية وعلمية وواقعية وممكنة لأنها وبصراحة لا تريد أن تتكبّد أي كلفة ولأنها «مش مخسره معهم» وهي تصر على الاستمرار بالاستفادة وحتى استغلال ما هو عام لمصالحها الخاصة.
إذا تحدثنا عن «الهيئات» بصفة فردية شخصاً شخصاً أو عائلة عائلة لوجدنا أنهم يُظلمون أحياناً حين تتهمهم جموع المضربين بأنهم «لصوص» لا ضمير لهم ولا قلب و«مصاصو دماء»، فنظرية الـ 1% بمواجهة 99% تختل ويصعب الدفاع عنها بالوقائع. فهم أيضاً بشر ولهم مشاعر وأبناء وأحفاد وليسوا مطمئنين لحالة البلاد كما يظن البعض. ولكن ألا يحق للأجير في القطاع العام أو الخاص أن يسأل لماذا زيدت الأسعار دون أن تزاد الرواتب؟ ولماذا لا يشمل الضمان جميع العاملين وفقاً للأجور الحقيقية وللقانون؟ ولماذا لا يدفع الأثرياء ضريبة عادلة؟ ولماذا يتم التعدي على الأملاك العامة؟ ولماذا يدخل الخاص بالعام والعكس؟ ألا يجوز السؤال عن الهجرة والتهجير وعن أوضاع الطرقات والكهرباء والمال والنفايات؟ وإذا كان الأستاذ غير مؤهل فلماذا لم نؤهله؟ وإذا كان الموظف فاسداً فلماذا لا يُعاقب؟ وهل يحق لمن «سرق» أو أهدر المال والملك العام أن يتهم موظفاً بالفساد أو مدرساً بالتقصير؟
إننا اليوم في مواجهة بين موظفين يشعرون بالظلم و«هيئات» ترفض رؤية الواقع وسياسيين غائبين عن واجباتهم. وهذه هي وصفة مكتملة للعنف والفوضى وبأحسن الأحوال الكسل والترهل. وهنا وجب على من هم «ميسورون» ومن الـ 1% الذين يرون الواقع، ولديهم الخشية من ضياع مصالحهم والاهم لديهم من الوجدان والشعور بالمسؤولية والكرامة والغيرة على أبنائهم وأحفادهم ومجتمعهم، ما يدعوهم للإعلان
وبصراحة:
■ نحن على استعداد للمساهمة بالتغطية الصحية الشاملة وبدفع الضريبة.
■ نحن لا نفتخر باستغلالنا العمال من فلسطين، سوريا، لبنان أو سريلانكا.
■ نحن نخجل من نمط حياتنا الباذخة وغير المنتجة ومن التلكؤ بدفع المتوجبات للأجراء وللدولة.
■ نعم لاقتصاد منتج.
■ نعم، لتحقيق التكافل الاجتماعي.
«لقد دفعت نسبة ضريبية من دخلي أقل من تلك التي دفعها موظفون في مكتبي من دخلهم.. كفى مراعاة لنا نحن الأغنياء ولندفع ضريبة أعلى...» قالها وارن بافت.(رجل أعمال أميركي وهو ثالث أغنياء العالم في العام 2012 بثروة تقدر بـ 44 مليار دولار).
لا أعتقد أن أحداً من «الهيئات» يستطيع أن يقول إنه أفهم من وارن بافت أو أكثر ثراءً أو دهاءً أو ايماناً بالنظام الرأسمالي. فهل نرضى أن يُقال إنه أكثر وطنية وإنسانية منا؟
المسألة لن تحل، حتى ولو مررت الحكومة السلسلة، لأن السؤال يبقى: من نحن؟ ولماذا نحن على ما نحن عليه؟ وأي بلد نريد؟
لنقلها إذاً وبصوت عال:
«نحن الـ 1% على استعداد لأن نكون مثلاً أعلى يحتذى للأجيال الشابة. وإننا نخجل منك يا وارن بافت».