تغص باحة مدرسة الجليل الصغيرة في بئر حسن بعشرات النازحين الفلسطينيين من سوريا ممن ينتظرون دورهم في الحصول على مساعدة «وكالة الأونروا لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين». يعلو وجوهم المتعبة قلق من تحول الانتظار على باب الوكالة إلى عادة جديدة، لم يألفها الكثيرون منهم سابقاً في مخيمات سوريا. يتجمع بعضهم عند الباب الداخلي الصغير، في انتظار وصول دورهم وسماع اسمهم، الذي يقرأه أحد الموظفين من قائمة أسماء أعدوها بأنفسهم صباحاً. يحتضن أحد الطاعنين في السن عكازه متأملاً المشهد. يسأل نفسه: «ما الذي أفعله هنا؟ من أوصلني إلى هذه الحالة؟ وما ذنبي في كل هذا؟». في هذه الأثناء، تجلس أم محمد، الآتية من مخيم السيدة زينب في دمشق، على الحوض الحجري لإحدى الأشجار ويتحلق حولها أولادها الثلاثة الصغار. تضع السيدة يدها على خدها في انتظار اسمها وهي تقول بغصة: «لم أظن أن الوضع سيكون مذلاً على هذا النحو، لقد أصبحنا نعتمد على المساعدات بشكل كامل».
تروي كيف أنّ «زوجي الذي يعمل في مجال التكييف و التبريد لم يجد عملاً حتى الآن، والمساعدة التي سأحصل عليها ستكون مخصصة بالكامل لتسديد جزء من أجرة المنزل الذي أسكنه، والتي تبلغ 450 ألف ليرة لبنانية». تطالب السيدة «الأونروا» إما برفع قيمة المساعدات، حتى تكون كافية لتأمين التكاليف المرتفعة للمعيشة من مسكن وملبس وغيرها من الاحتياجات الضرورية، أو إنشاء مساكن جماعية لكل النازحين لكونها هي الجهة الرسمية الوحيدة المسؤولة عنهم. ربما تخشى أم محمد من أن تتتحقق مطالبها فتقطع حديثها قائلة: «الواحد بعد بيتو مافي شي بيحفظ كرامتو».
على مسافة قريبة من أم محمد، يقف أبو خالد، القادم من مخيم اليرموك وإلى جانبه شقيق زوجته المصاب بمرض تفجر شرايين القدم الذي يعيق حركته. لم تبد على الرجل علامات الرضا عن طريقة التوزيع التي تأخذ وقتاً طويلاً وتتطلب انتباهاً مستمراً، كما أنه غير راض ٍ أيضاً عن واقع النزوح الصعب الذي يعيشه، وذلك لعدم قدرته على تأمين عمل دائم ليعيل عائلته، وهو حالياً يشارك شقيق زوجته، العاطل عن العمل نتيجة مرضه، في منزله المستأجر. يقول بغضب: «هاي المساعدة ما بتكفي شي، كل شي غالي بهالبلد». و فيما يرى أن الأونروا مقصرة في تقديم المساعدة الكافية لتأمين حياة كريمة له ولعائلته، يبدو غير متفائل باستمرار المساعدات التي تقدمها الوكالة «هلق بينسونا، لبعد شهرين أو أكتر حتى يتذكرونا!». يفكر بشكل جدي بالعودة إلى دمشق، رغم المخاطر الكبيرة هناك، إذا استمر وضعه على هذه الحال.
أما أمين سر اللجان الشعبية في بيروت أحمد مصطفى فيؤكد أنّ المساعدات، على أهميتها، لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية للنازحين الفلسطينيين، في ظل غلاء المعيشة هنا مقارنة بسوريا، مطالباً بوضع خطة طوارئ تشمل تأمين الطبابة الكاملة، وبدل الإيواء او الإيجار، إضافة إلى توزيع حصص تموينية كافية للجميع. ويدعو إلى أن تشمل مساعدات الهيئة العليا للإغاثة النازحيين الفلسطينيين أسوة بالسوريين.
من جهته، يشرح مدير مكتب الأونروا في بيروت محمد خالد أن الوكالة تعاني عجزاً مالياً بقيمة 70 مليون دولار أميركي، ما يؤثر على قدرتها في تقديم المساعدات للمستحقين، ورغم ذلك قدمت كل المستطاع طبياً وتعليمياً، وعاملت النازحين أسوة بالفلسطينيين المقيمين في لبنان. ويوضح أنّ «ما نقدمه هو بدل إيواء وليس إيجاراً!». ويكشف خالد أنّه طلب من اللجان الشعبية اطلاع الوكالة على مراكز داخل المخيمات تصلح لتكون أماكن ايواء جماعي للنازحين، على أن تكون بإشراف اللجان، وتقدم الأونروا خدمات الترميم.
هذه هي المساعدات النقدية الثانية التي تقدمها الأونروا للنازحين الفلسطينيين. وقد خصصت الأولى 40 دولاراً أميركياً للفرد الواحد، إضافة إلى قسيمة شرائية مخصصة للأغذية، بقيمة 25 دولاراً أميركياً لكل العائلة.
أما الجولة الثانية من المساعدات فقد هدفت، بحسب الأونروا، إلى تقديم الدعم المالي فيما يخص الإيواء و الملبس، وهي موزعة كالآتي: 190 ألف ليرة لبنانية للمسكن تقدم لكل العائلة، 30 ألف ليرة للملبس تقدم لكل فرد في العائلة، كما قسمت مراكز التوزيع في منطقة بيروت إلى مركزين هما: مدرسة الجليل في بير حسن، و مدرسة اليرموك في برج البراجنة.