عندما أعلن التيار النقابي المستقل، برئاسة حنا غريب، هويته بعيد الانتخابات الأخيرة لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، لم يقدّم نفسه إطاراً بديلاً عن الرابطة، بل قال إنّه يمثل خطاً مستقلاً داخلها للضغط باتجاه رفع سقف الخطاب النقابي والانتقال بحراك سلسلة الرواتب من موقع الرهان على المسؤولين إلى موقع الهجوم وتسمية الأشياء بأسمائها، وتصعيد التحرك باتجاه إعلان انتفاضة في القطاع العام لإقرار الحقوق في السلسلة، التي حددها بإعطاء من لم يعط من القطاعات الوظيفية حقه بالـ 121% وفق أي صيغة، مع الحفاظ على الفارق نفسه بين الفئات الوظيفية وعلى حقوقها المكتسبة، والغاء البنود التدميرية للادارة لمؤتمر باريس ـ 3.
اليوم، يبدو التيار مقتنعاً أكثر بخيار التصعيد، كما يقول غريب، وخصوصاً بعد سقوط مقولة "البلد مشلول". برأيه، الظرف مؤات للضغط على وزير التربية باتجاه اقرار مشروع قانون في الحكومة يحفظ الموقع الوظيفي للأستاذ الثانوي، بعدما اصبح الفارق 54 درجة مع راتب الاستاذ الجامعي المعيد، وصفر درجة مع الفئة الرابعة ـ وهذا ما تحركنا ضده لسنوات ثلاث ورفضنا تمريره وما زلناـ وتعديل مشروع السلسلة في اللجان النيابية، بما يحفظ الحقوق لجميع القطاعات، واعتماد شهادة الماجستير (bac+5 ) للتعيين بوظيفة استاذ تعليم ثانوي.
وإذا لم تستطع الرابطة انتزاع اعتراف هيئة التنسيق بالغبن اللاحق بأساتذتها، فإن غريب يدعو إلى «تحرك منفرد يحفظ حقوقنا الخاصة، فيما نحن مستعدون لمتابعة التحرك مع الهيئة بالقضايا المشتركة مثل: تحسين نوعية التعليم الرسمي، مكافحة الفساد، تعاونية الموظفين، التقاعد، الغاء التعاقد الوظيفي، النفايات، قانون الايجارات وغيرها".
يحذر غريب من المحاولات الجارية الآن لالحاق هيئة التنسيق بمجموعة «البيال» تحت ما يسمى «الجبهة النقابية العريضة»، بهدف تعويم قيادة الاتحاد العمالي العام وحيتان المال، الذين حاربوا هيئة التنسيق ولما زالوا حتى الآن ضد السلسلة، ما يمثّل ارتدادا على نضالات الاساتذة والموظفين.
اهدرت هيئة التنسيق فرص عدّة للضغط بسبب تدخلات احزاب السلطة

عشية عيد المعلم، يقدم غريب «كشف حساب» لأداء الهيئة والرابطة خلال العام الدراسي 2014 ــ2015، وأسباب فشلهما في استرجاع ثقة القواعد. يقول إن «الشلل أصابهما كما أصاب مؤسسات الدولة، لأنهما من جلدها. فقد عجزت مكونات الهيئة مجتمعة عن بلورة صيغة موحدة للمطالب الخاصة بالسلسلة، وقد أصبحت القواعد مكشوفة لا غطاء لها ولا من يحمي حقوقها».
الخلل الأول حصل، بحسب غريب، في 11 شباط 2015 حين أوصت الهيئة بخطة تحرك، وأقرت في الوقت عينه اجراء اتصالات مع الكتل النيابية، و«كأن الاتصالات ليست جزءا من الخطة"، ثم أعلنت الهيئة من دون علم الرابطة عقد مؤتمر صحافي في 26 شباط وتنفيذ إضراب في 5 آذار، لينتهي الأمر إلى تأجيل المؤتمر والإضراب». وفي 11 آذار، زارت الهيئة مع وزير التربية الياس بو صعب رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دعا إثر اللقاء الى جلسة للجان النيابية المشتركة في 17 آذار، لم ينتج منها شيء، فوقعت، كما يقول غريب، «خسارة الفرصة الاولى، إذ انعقدت اللجان من دون ضغط جدي وفعلي». وفي المؤتمر الصحافي في 26 آذار، اعترفت هيئة التنسيق بفشل مراهناتها على السلطة السياسية ودعت إلى الإضراب والاعتصام أمام وزارة التربية والمناطق التربوية، فنُفذ الإضراب وجاءت المشاركة في الاعتصام هزيلة.
الخلل الآخر، يضيف غريب، «وقع داخل جلسة مجلس المندوبين للرابطة في 8 نيسان حيث لم تطرح الهيئة الإدارية في مشروع التقريرالإداريّ المقدم إلى المندوبين أي خطة تحرك». المجلس أوصى بربط إضراب هيئة التنسيق في 23 نيسان بإقرار خطوات تصعيدية وصولاً إلى مقاطعة التصحيح في الامتحانات الرسميّة.، لكن سرعان ما تراجعت الهيئة الادارية عن هذا الموقف، وأعلنت أنّ العام الدراسي والشهادة الرسمية خط أحمر».
اكتفت هيئة التنسيق بالإضراب في 23 نيسان في انتظار أن تنهي اللجان المشتركة دراسة مشروع السلسلة ووضعه على جدول أعمال أول جلسة تشريعية للمجلس النيابي، فكانت النتيجة أن نُفذ إضراب واعتصام ضعيفان، ولم تعقد اللجان. وفي 5 ايار، ابلغت هيئة التنسيق البطريرك بشارة الراعي تأجيل الاضراب والتظاهر الذي كان مقرراً في 6 أيار إلى موعد آخر. وفي 13 تموز، أعلنت الهيئة الاستعداد للعودة إلى الشارع مجدداً لأن أطراف السلطة لا تفهم لغة اخرى. ومع أن الهيئة رأت أن النفايات تعرّي «الطبقة» الحاكمة وتفضح عجزها الكامل، رفضت الانخراط في الحراك الشعبي، فهمّشت، بحسب غريب، «وكاد ملف السلسلة يغيب بالكامل لولا انخراط التيار النقابي المستقل في الحراك».
يشير غريب الى سلسلة لا تنتهي من "التراجعات، منها أن هيئة التنسيق أعلنت في 4 آب أنّ من غير الممكن تمرير العام الدراسي المقبل كما الماضي، فاذا بالمؤتمر النقابي الذي نظمته في 19 آب يصدر توصية بالاضراب في 9 ايلول لم تنفذ أيضاً. وفي 30 أيلول، أوصت الهيئة بالإضراب العام، ايام 20 تشرين الاول و26 تشرين الاول، و 4 تشرين الثاني، بالتزامن مع بدء العقد التشريعي، وفيما كانت الرابطة شريكة في كل البيانات الرسمية لهيئة التنسيق، فإنّ التوصية الأخيرة فجّرت الخلاف بينهما، إذ أكدت الرابطة تنفيذ الإضراب في 20 تشرين الأول بصورة منفردة، ضمن خطوات متلاحقة في 26 تشرين الأول، و4 تشرين الثاني، إلاّ أن الإضراب الخاص لم يتحول إلى تحرك تصعيدي خاص بالثانوي، بحسب غريب، وجرى اجهاضه، «تحت ضغط المكاتب التربوية لبعض القوى الحزبية السلطوية. فعادت قيادة الرابطة إلى متابعة التحرك في اطار هيئة التنسيق من خلال تنفيذ اضراب مشترك واعتصام في 3 تشرين الثاني، بحجة انعقاد هيئة مكتب المجلس، من دون الاتفاق على المطالب مع المكونات الاخرى في الهيئة. فكانت المشاركة في الاعتصام ضعيفة، وظهر الخلاف العلني بين ممثلي الهيئات على المطالب».
النتيجة كانت عدم إدراج بند السلسلة على جدول اعمال الجلسة التشريعية، فحصلت خسارة الفرصة الثانية، فيما الرابطة دعت في اليوم نفسه الى الغاء الاضراب في 4 تشرين الثاني، كما تراجعت عن إعلان الرابطة نقابة، رغم موافقة الجمعيات العمومية على التوصيتين.
ينتقد غريب تراجع قيادة الرابطة عن قرارها برفض إعادة تصحيح المسابقات في الدورة الثانية، اذ لم يحضر إلى مركز التصحيح لتنفيذ المقاطعة إلاّ التيار النقابي المستقل وعضو آخر في الهيئة الإدارية، ما شجع الوزير الياس بو صعب على كسر القرار والتطاول على الاساتذة والتمادي في ضرب سمعة الشهادة الرسمية في وسائل الاعلام ، «المؤسف اليوم ان الوزير الذي اعطى الإفادات يزايد على الأساتذة بالإصلاح وهم الذين ظلوا ثلاث سنوات في الشوارع يتحركون ضد الفساد، وكان ضدهم».




كادر: ماذا يفعل التيار النقابي المستقل؟

يقول رئيس التيار النقابي المستقل حنا غريب إن العام الماضي كان عام التأسيس، "عام المشاركة والالتزام بقرارات الرابطة وحضور اجتماعاتها في الوقت الذي كان يتغيب عنها من انتجها، ويعطل نصابها، كما كان عام الانخراط في الحراك الشعبي الذي يطول الكلام عنه، ويحتاج الى الكثير من الجهد لتقييمه، أما العام الحالي، فسيكون عام انطلاقة التيار النقابي المستقل في كل القطاعات: الثانوي، الأساسي، المهني، الإدارة العامة، المتقاعدين، المتعاقدين، الأجراء والمياومين، وعام متابعة الحراك النقابي والشعبي تحت العناوين الاجتماعية من السلسلة الى المستأجرين والنفايات ومعركة البلديات والمطالبة بحق المعلم والموظف للترشح لعضوية المجالس البلدية، كحق من حقوق الانسان، حيث لا يجوز ان يحرم المعلم والموظف حق التنظيم النقابي وحق الترشح للانتخابات البلدية. وستكون مناسبة عيد المعلم بداية الانطلاقة في احتفال التعارف الذي سيقيمه التيار ظهر يوم الاحد في 6 آذار.
يشرح غريب أن التيار قدم في سنة التأسيس صيغة لاعتماد النسبية في نظام الانتخابات في الرابطة، إلاّ أنّه حصل داخل لجنة تعديل النظام الداخلي للرابطة خلاف في وجهات النظر لم تحسم نتيجته بعد، فوجهة النظر المعترضة ترى ان النسبية تضرب التركيبة الطائفية والمذهبية للروابط. ويكشف هنا أن التيار، في حال استمرار رفض النسبية، بصدد دراسة موقف قوامه المشاركة في الانتخابات على مستوى المندوبين، وعدم المشاركة في انتخابات الهيئة الادارية الا على اساس النسبية وضمان القرار النقابي المستقل، مؤكدا انفتاحه على كل القوى التي ترفض المحاصصة الحزبية والمذهبية التي أثبتت فشلها في التركيبة الراهنة للهيئة الادارية.