من بين 185 بلداً مشمولاً في تقرير البنك الدولي حول سهولة ممارسة الأعمال ــ 2013، يحلّ لبنان في المرتبة 115. هذا المؤشّر لا يُخبّر القصة كاملة. هو محدود حيث يغطّي فقط القوانين الخاصة بالأعمال، لا يأخذ بعين الاعتبار مدى قرب البلد المعني من الاقتصادات الكبيرة، نوعية بنيته التحتية، الأمن الذي يحفظ الملكية من السرقة والقرصنة، شفافية الحكومة، الظروف الاقتصادية العامّة إضافة إلى مدى قوّة المؤسسات العامّة.
ولكن رغم ذلك تُشكّل دراسة مكوناته وإصلاحها مدخلاً مهماً لتصحيح بيئة الأعمال. ومن حسن الحظ تُعدّ بعض الإصلاحات «سريعة المفعول» لأنّها بطبيعتها إدارية ويُمكن تلمّس فوائدها خلال الأشهر الستة أو الثمانية المقبلة؛ إطلاقها يحتاج فقط إلى قرارات وزارية.
بداية مع كلفة تأسيس الشركات. فاليوم يتكبّد المبادر أكثر من 100% من حصّة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لإطلاق شركته، مقارنة بـ0.8% فقط في الولايات المتّحدة! يُمكن خفض عدد الخطوات، الوقت والكلفة لإطلاق الأعمال عبر إلغاء الحد الأدنى المفروض لرأس المال (ومعه إلزامية فتح حساب مصرفي)، جعل توظيف محام للشركات الصغير والمتوسطة مسألة اختيارية إضافة إلى زيادة فاعلية السجلّ التجاري.
وعندما يتعلّق الأمر بالتسجيل العقاري، يُمكن اعتماد ثلاثة إجراءات إصلاحية قصيرة المدى. أوّلاً، التحوّل من نظام الرسم النسبي المفروض على قيمة الملكية إلى رسوم ثابتة منخفضة. فحالياً تبلغ كلفة نقل الملكية العقارية 5.8% من القيمة الإجمالية. وإجمالاً فإنّ جعل التسجيل العقاري أقلّ كلفة يعني احتراماً أكبر للقانون وتهرّباً أقلّ. كذلك فإنّ الرسوم ذات النسب العالية تؤدّي إلى سعي البعض إلى خفض تقويم الملكية لتجنّب كلفة التسجيل العالية أو ببساطة تجنّب التسجيل كلياً. وعلى سبيل المثال، عندما تحوّلت مصر من نظام النسبية (5.9%) إلى الرسم الثابت (حوالى 364 دولاراً) عام 2008، شهدت البلاد زيادة في الإيرادات الناجمة عن التسجيل العقاري بنسبة 39%، نتيجة زيادة عدد المعاملات المسجّلة.
الإجراء الثاني هو توحيد عقود البيع العقاري وإلغاء الحاجة لخبير قانوني في العملة وبالتالي الكلفة التي تترتب على خدماته. عالمياً، ثلاثة بلدان من أصل أربعة تدير التسجيل العقاري بدون وساطة كتاب العدل أو المحامين؛ في المنطقة هناك عمان، الإمارات والأردن.
أمّا الإجراء الثالث فيقوم على تحفيز سرعة الإجراءات، ومن الأمثلة منح الزيائن خيار تكبّد كلفة إضافية بسيطة لتسريع عملية التسجيل. ومن شأن إجراء كهذا أن يُقصّر فترة معالجة الملفات إلى يومين أو يوم واحد فقط مقارنة بـ25 يوماً حالياً. في هذه الأحوال يتم تصنيف الحالات بشفافية ومن يفضّل عدم الانتظار يحصل على طلبه على نحو قانوني ومن دون رشاوى. ومن بين البلدان التي تطبق هذا النظام، الأرجنتين، أوكرانيا ومنغوليا.
ومن التسجيل العقاري إلى الرخص، حيث يواجه المبادرون في لبنان مصاعب التأخير. على سبيل المثال يحتاج صاحب الأعمال إلى 219 يوماً للحصول على الرخص اللازمة لبناء مستودع. وهنا يُمكن التعلّم من تجارب أكثر من 50 بلداً أجرت إصلاحات في هذا المجال خلال السنوات الخمس الماضية. أحد مجالات العمل يكون بتفويض أكبر للبلديات وتسهيل تدفق العمل بين المديريات المختلفة.
ويُمكن الإصلاحات أن تستهدف أيضاً فرض القوانين لجعل لبنان جذاباً أكثر للاستثمارات المحلية. حالياً يتطلّب حلّ نزاع تجاري أكثر من 721 يوماً (5 أشهر في سنغافورة)، 30.8% من قيمة الدعوة و37 إجراءً مختلفاً كمعدّل. وباستخدام بيانات عن حماية المستثمرين في 170 بلداً تُبيّن الدراسة أنّ البلدان التي تؤمّن حماية أكبر للمستثمرين تُسجّل معدلات نمو أعلى من تلك ذات الحماية الضعيفة.
الإصلاح سهل أيضاً في مجال التجارة الخارجية. فحالياً يُمضي التاجر في بيروت 22 يوم عمل (30 يوماً فعلياً) لإتمام معاملات الاستيراد والتصدير. ويُخصّص مُعظم هذا الوقت للجمارك وللتوثيق قبل وصول الشحنات. ويُشكّل هذا التأخير عبئاً على التجار. ومن بين الإصلاحات المباشرة الممكنة، يُمكن الحديث عن تمديد دوام عمل الجمارك (حالياً، يستمر الدوام من الثامنة صباحاً حتّى الواحدة من بعض الظهر فقط)، السماح بالحصول على التصريحات قبل وصول البضاعة إضافة إلى خفض الفترة المسموحة للتخزين المجاني. وقد توصلت الأبحاث إلى أنّ كلّ يوم عمل تأخير إضافي لشحن البضائع يؤخّر التجارة بنسبة 1%.
صحيح أنّ الإصلاحات المقترحة سريعة ولكنها تُشكّل فعلاً انعكاساً كبيراً على بيئة الأعمال في لبنان عبر إلغاء المعوقات أمام الشركات. كذلك من شأنها أن تُشكّل بيئة مؤاتية لتبنّي إصلاحات أعمق تكون ناجحة على المدى الطويل.
إصلاح بيئة الأعمال له أهمية خاصة ولكنه ليس كافياً. فالتوصات المذكورة تركّز تحديداً على ما يجب تغييره وأين. يُمكن للقيمين على الإصلاح أن يستفيدوا من مراجعة تجارب البلدان التي تتمتع بمؤشرات جيدة. فإصلاحات بيئة الأعمال تتوسع على نحو ملحوظ عبر البلدان وتُستخدم كمعايير أساسية لنجاح صناع السياسات. هكذا، فإنّ تطبيق الإصلاحات المذكورة في لبنان يُمكن أن تُشكّل إنجازاً مباشراً ملموساً لوزراء المال، الاقتصاد والتجارية إضافة إلى الداخلية والبلديات.
*باحث في جامعة باريس للاقتصاد، فاز أخيراً بحثه حول تسهيل الأعمال والتنافسية بجائزة الجمعية الاقتصادية اللبنانية لأبحاث الشباب