لم تكد الطائرة الآتية من القاهرة، التي تحمل على متنها رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، تحطّ في مطار بيروت، يوم السبت الماضي، حتى استقل «سندباد» الطائرة المتوجهة إلى العاصمة الصينية بكين، في رحلة استجمام جديدة، تنظمها النقابات الصينية.
يجري ذلك، فيما عمال شركة طيران عبر المتوسط «TMA» وموظفوها، يبحثون عن رئيس نقابتهم، وهو «السندباد» نفسه، دون أن يعثروا له على أثر منذ أكثر من أسبوعين. لم يتقاضوا رواتبهم منذ 3 أشهر، وهم مهدَّدون بأكبر عملية صرف جماعي في تاريخ الشركة، التي يعمل فيها غسان غصن، ويحتل موقع «مدير العلاقات الحكومية» منذ أكثر من سنة، بعد مضاعفة راتبه الشهري مقابل خدماته لمصالح الإدارة مع الحكومة ودوائرها وصندوق الضمان الاجتماعي على حساب الموظفين والعمال أولاً وأخيراً.
يغيب غسان غصن في ذروة تحرك العمال المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان، الذي تجاوز يومه الأربعين، متجاهلاً أنه كان الشاهد على الاتفاق بين العمال والإدارة منذ نحو سنة ونصف مع عرّابي حصص الطوائف والمذاهب وشركات مقدمي الخدمات.
ينتقل غصن من بلد إلى آخر، بينما نحو مئتي مستخدم ومستخدمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعملون بصفة مياومين من دون أية حقوق وضمانات وتعويضات منذ سنوات طويلة تصل عند البعض منهم إلى 15 عاماً، كذلك هناك أكثر من 100 شاب وشابة نجحوا في مباراة مجلس الخدمة المدنية، وتكاد تنتهي المدة القانونية لتسلّمهم وظائفهم في الصندوق، الذي يشكو من شغور يصل إلى خمسين بالمئة من الموظفين، من دون أن يستدعوا للعمل، بينما غصن نفسه هو أمين السر الأول لمجلس الإدارة، وواحد من أصل عشرة أعضاء يمثلون العمال ويملكون حق الفيتو في هذا المجلس.
إنه يمارس الخيانة ليس إلا. وهذه عيّنة فقط من المشكلات المباشرة التي تطارد رئيس الاتحاد العمالي شخصياً، ولو إلى الصين، تضاف إلى الموقف المخزي والعدائي من هيئة التنسيق النقابية وقضية سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين والعسكريين وموظفي الإدارة العامة، فضلاً عن السكوت المشبوه إزاء أزمات الكهرباء والمياه ونار الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة والجامعات، وسوى ذلك من أهوال المعيشة عند العمال واللبنانيين.
بمعنى ما، لم يعد جائزاً السكوت إزاء هذه الفضيحة. حتى الذين نصّبوا غسان غصن ممثلاً للعمال، ضاقوا به ذرعاً، وهددوه بعزله عن رئاسة الاتحاد العمالي العام. ففي اجتماع المجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ومؤتمر العمل العربي، اللذين عُقدا في العاصمة المصرية في الأسبوع الماضي، حاول غصن أن ينقلب على حليفه حسن فقيه (نائب رئيس الاتحاد العمالي وممثل حركة أمل)، ويلتف على اتفاق سابق يقضي بحصول فقيه على عضوية مجلس إدارة منظمة العمل العربية، إلا أن غصن سعى إلى تسمية نفسه لهذا المنصب، ما أدى إلى انفجار خلاف حاد علني بين أعضاء الوفد اللبناني، وصلت اصداؤه إلى بيروت، إذ تلقى غصن تهديداً مباشراً بأنه لن يعود من القاهرة رئيساً للاتحاد العمالي إن استمر في سلوكه، ما جعل غصن يعيد حساباته ويتراجع عن موقفه.
لم يختلف نقابيو «الزمن الرديء»، ولا مرة، على موقف عمالي أو اجتماعي أو اقتصادي أو على ضرورة التحرك في مواجهة توحش رأس المال. وإلى أن تتمكن الحركة العمالية من إنتاج قيادة نقابية حرة وديموقراطية ومستقلة من بين صفوفها، سيشهد الاتحاد العمالي المزيد من الصراعات والخلافات على المكاسب الشخصية والمنافع والمناصب.