في سنّ صغيرة بدأت بتول، ابنة بلدة الطيبة، تعمل في التجارة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. «لم يكن العمل منطلقاً من هواية أو رغبة، بل هو نتيجة الأوضاع الاقتصادية الخانقة، وإحساسي بضرورة مساعدة والدي لمواجهة الأعباء المعيشية». قبل 4 سنوات توقّف عمل والد بتول، كغيره من العشرات الذين أنهت المملكة العربية السعودية أعمالهم بعد سنوات طويلة من العمل فيها «لأسباب بات يدركها الجميع». ترافق طرد الوالد مع بدء الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان، فاضطرّت بتول إلى تقديم المساعدة «بعدما لاحظت أنّ العديد من التجّار يعرضون بضائعهم على مواقع التواصل الاجتماعي». كان رأسمال بتول 200 ألف ليرة، حصلت عليها «عيدية» في أحد الأيام، وها هي اليوم تصبح من تجّار الجملة المعروفين لدى العديد من أصحاب المحالّ التجارية. تقول: «تحسّن إنتاجي بسرعة لافتة، وكنت في الوقت نفسه أتابع دراستي الثانوية، لكنّ ارتفاع الدولار جعلني أفضّل البيع للأفراد ليصبح عدد زبائني بالمئات، بعدما بتّ أحصل على البضائع من شركة عالمية، وتعاقدت مع شركة محلية لتأمين خدمة التوصيل». وهي تطمح اليوم إلى فتح متجر خاص وتطوير عملها بطريقة تحقق المزيد من الأرباح، والانتساب إلى الجامعة في الوقت نفسه. ليست بتول الوحيدة، في مثل عمرها، التي تعمل في التجارة عبر الإنترنت، إذ يوجد العشرات من طلاب الثانويات الرسمية الذين بدأوا العمل مثلها، ويبدو أن الحاجة إلى مساعدة الأهل هي التي دفعتهم إلى ذلك «لتأمين حاجاتنا وتخفيف الأعباء المالية عن الأهل» تقول التلميذة في الصف الثالث الثانوي نرجس. ر. التي شجّعها والدها على العمل لاكتساب الخبرة، مشترطاً أن لا يؤثر ذلك على الدراسة. اللافت أن نرجس وغيرها من الطالبات اللواتي يقمن بهذا العمل، متفوّقات في مدارسهن، بشهادة أحد المدرسين، الذي أكد أن «بتول ونرجس واثنتين غيرهما يعملن في التجارة ويتعلّمن في المدرسة، مجتهدات ويحصلن على علامات مميزة». لكنه لفت في المقابل إلى أن «الأزمة الاقتصادية أدّت إلى مشكلات عديدة بات يواجهها الطلاب، أبرزها ارتفاع حالات الطلاق، واضطرار الأهل إلى ترك أولادهم في المنزل والعمل في أماكن بعيدة مثل بيروت وصور».
ويبدو أن عدداً من أصحاب المحالّ التجارية باتوا يعتمدون على مثل هؤلاء الطلاب لتسويق بضائعهم، فتقول زينب أحمد (17 سنة): «أعمل في تجارة الألبسة وأدوات التجميل عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنتين ونصف سنة، ويقوم عدد من تجار المنطقة المعروفين بإرسال صور بضائعهم إليّ، وأنا أقوم ببيعها إلى زبائني». أما عن المشاكل التي تعترض هذا العمل، وخصوصاً إذا كانت البضائع من الخارج فهي «الوقوع في شرك مافيات الجمارك، إذ يعمد بعضهم إلى حجز بضائعنا، ما يضطرّنا إلى دفع الرشى لإخراجها، رغم أننا نكون قد دفعنا ما يتوجّب علينا من ضرائب».
يشير حسن حسين، صاحب أحد المكاتب التجارية في تركيا، إلى أن «التجار الصغار الذين يشحنون بضائعهم من الخارج يضطرّون إلى تسجيلها على أسماء مؤسسات تجارية وهمية، هي عملياً لبعض عمال الجمارك، الذين يؤمّنون تخليص هذه البضائع لقاء عمولة خاصة بهم، وإذا أرسلت البضائع بأسماء أصحابها، فسيجدون أن عليهم دفع مبالغ مضاعفة كرسوم وضرائب لا يقدر عليها صغار التجار».
في بنت جبيل ومرجعيون العشرات من تلامذة الثانويات الرسمية الذين يعملون بكدّ، إلى جانب الدراسة، بهدف مساعدة ذويهم، وبات العمل «أونلاين» من حصة الفتيات «نظراً إلى عدم إمكانية العمل خارج المنزل لأسباب مختلفة». يقول الطالب في الصف الثالث الثانوي مصطفى حيدر إنه يعمل في تركيب ألواح الطاقة الشمسية مع عدد من زملائه، فيما تعمل شقيقته في تجارة الألبسة والأدوات المنزلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويؤكد أن «هذه الأعمال هي التي باتت تساعدنا على تأمين مصاريفنا الشخصية».