عادت بلدات الزهراني 12 عاماً إلى الوراء. مجدداً، هبّت «انتفاضة» البناء في الأملاك العامة والخاصة من دون رادع فردي وفي غياب للقوى الأمنية. مئات الوحدات السكنية والمحال والأبنية ترتفع يومياً في الزرارية والخرايب وصولاً إلى الصرفند والبيسارية. فهل يكون الدم هو من يقمع المخالفات كما حصل في البرج الشمالي حين سقط مواطنان وجرح عدد من الجنود والعناصر الأمنية؟في شهر كانون الأول الماضي، حاول البعض في بلدتي المنصوري ومجدلزون (قضاء صور) فرض أمر واقع بتشييد وترميم منازل في المشاعات. لكن فصيلة القليلة في قوى الأمن الداخلي، وبمؤازرة من قطعات من خارج المنطقة، قمعت المحاولات برغم المواجهات التي وقعت بين عناصرها وبين بعض الأهالي. تجربة مجدلزون والمنصوري انسحبتا على غالبية بلدات صور. الفصائل والمخافر الواقعة في نطاق قضاء صور، تتشدّد في غالبية البلدات. إلا أن ذلك التشدّد ينقلب تراخياً أو عجزاً في نطاق فصيلة عدلون ومخفر الزرارية، ما دفع المقيمين على ضفتي نهر الليطاني يتساءلون عن سر التمييز في التعاطي برغم انتمائهم جميعاً للمجتمعات نفسها.

اعتداء على الملك العام
في بعض بلدات الزهراني، تنشط ورش البناء في الليل والنهار في الأملاك الخاصة والعامة. فيما لا يتوانى البعض عن استصلاح مساحات واسعة واقعة في الملك العام قبل أن يبيعها «بالمفرق». وبالنظر إلى فئات المعتدين، يظهر بأن من بينهم صاحب الحاجة لتملك مسكن ولا يملك قدرات مادية أو قطعة أرض. لكن الغالبية من فئة من ليسوا بحاجة. بعضهم استولى على أراض بتسييجها وتشجيرها وآخرون شيدوا مبنى من طبقات عدة لأغراض تجارية بهدف تأجيرها أو بيعها لا سيما للنازحين السوريين. مع ذلك، ليس كلّ أهالي الزهراني مع الفوضى. أخيراً، انبرت أصوات رافضة للتعدي على الملك العام ولعدم الالتزام بالتنظيم المدني في الملك الخاص. أبرزهم رئيس أكبر بلديات المنطقة، الصرفند، علي خليفة الذي قرع جرس الإنذار لتبعات البناء العشوائي الحاصل. في حديث لـ«الأخبار»، كشف خليفة عن كتاب أرسله أمس إلى كل من وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي ومحافظ الجنوب منصور ضو وقيادة منطقة الجنوب في قوى الأمن الداخلي وفصيلة عدلون، يستعرض فيها المخاطر الإضافية المنضوية ضمن مخالفات البناء. «الأبنية العشوائية الجديدة سوف تؤثر سلباً على البنى التحتية والخدماتية في الصرفند وسائر البلدات الأخرى. لكن الأخطر بأنها قابلة للانهيار في أي لحظة. الإسمنت المستخدم غير مطابق للمواصفات، فيما يستخدم رمل بحري غير مغسول سيؤدي إلى إتلاف قضبان الحديد لدى اختلاطه بالمياه في غضون سنوات قليلة». ولفت إلى أن البناء في الملك الخاص، لا يراعي التراجعات أو قدرة احتمال الطبقات السفلى على تشييد طبقات إضافية فوقها. وينذر بأزمة لتأمين الكهرباء والمياه والصرف الصحي للوحدات المستجدة.

نقص العديد الأمني؟
خليفة زار أمس فصيلة عدلون طالباً من عناصرها التدخل لقمع المخالفات، لكنه وجد عديدها لا يزيد على ثلاثة عناصر. فيما غالبية آلياتها معطلة أو تحتاج لوقود. فما هو المخرج في ظل عجز القوى الأمنية؟ خليفة طالب مولوي بمنح رؤساء البلديات صلاحية إعطاء تراخيص بناء وحدات سكنية لا تزيد على 150 متراً. «بعض من يشيّد منازل، هم من المستحقين الذين لا قدرة لهم باستصدار تراخيص من التنظيم المدني أو شراء أرض. ونحن كرؤساء بلديات نميز بين المستحق وغيره». لا يجد المهندس في مخرجه تشجيعاً للاستنسابية والفوضى الخلاقة التي قد يتسبب بها بعض الرؤساء. «هامش الفوضى في هذه الحالة لن يزيد على 10 في المئة في مقابل الفلتان الحاصل». ويعتد بقانون صادر عن مجلس النواب منذ خمسة أشهر (ينتظر صدور مراسيم تطبيقية له) يجيز للبلديات منح تراخيص بناء وحدات تصل مساحتها إلى 220 متراً في أرض سليخ.
تنشط ورش البناء في الليل والنهار في الأملاك الخاصة والعامة


العجر الأمني يبدو استنسابياً. تبرير قلة العديد والآليات لعدم قمع المخالفات في غالبية بلدات الزهراني، دحضها التحرّك السريع الذي قامت به القوى الأمنية بحق عدد من واضعي اليد على مساحة في الملك العام تقع في بلدة قعقعية الصنوبر. بناء على إشارة من النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم قمعت القوى الأمنية محاولة تسييج العقار الممتد على نحو 45 ألف متر مربع، وأوقفت شخصين وأبقتهما محتجزين ليومين اثنين. إبراهيم كان قد تلقى إخباراً من ابن البلدة المحامي حسام الجواد الذي قصد البلدية بداية وتبلغ بأنها «غير قادرة على حماية المشاعات من المعتدين». وتقضي آلية حماية الملك العام بأن تتخذ النيابة العامة المالية صفة الادعاء الشخصي كممثلة للدولة، ضد المعتدين. وكانت الملاحقات المماثلة التي سجلت خلال فوضى 2011، قد أدّت إلى صدور أحكام منها السجن ودفع غرامات مالية فضلاً عن هدم المخالفات.