احتشد الأساتذة في الشوارع أمس، لا في صفوفهم. أربع تظاهرات حاصرت وزارة التربية ومراكزها في المناطق، أكبرها وأبرزها على مستوى المواقف في بيروت، بالإضافة إلى صيدا، النبطية، عكار. فيها إعادة تأكيد على المطالب، وإعلان صريح أن «لا عودة قبل تحقيق مكتسبات»، ورفض «منطق الحوافز والعطايا» المعتمد في وزارة التربية. بحسب الأساتذة المنتفضين، «الثانويات في المناطق شبه مقفلة بنسبة تزيد عن 90%، والـ 10% المتبقية في حالة فوضى تامة، إذ يحضر التلامذة إلى المدارس، فلا يأتي إلّا بعض الأساتذة»، ما يزيد من تذمّر الأهل الذين يتكبّدون بدلات نقل لأبنائهم فلا يتعلّمون. الفوضى في كلّ مكان، حتى في الثانويات التي يديرها أعضاء من الهيئة الإدارية للرابطة، معظم الأساتذة يرفضون الدخول إلى الصفوف، إذ يرون في العودة إلى التعليم بهذا الشكل «إذلالاً، وانتقاصاً من كرامة المعلّم، وتأكيداً على فكرة الإضراب للإضراب، لا لتحقيق مكتسبات».
إجراءات قمعية لا تجدي
«أخطر المقاتلين من لا يملك شيئاً ليخسره، وهذا حال الأساتذة» يقول النقابي ونائب رئيس فرع بعلبك صادق الحجيري، الذي يرى بأنّ فرض العودة بهذا الشّكل هو لـ«تمرير الامتحانات الرّسمية كيفما كان»، مهدّداً بـ«أنّها لن تمرّ من دون حقوق الأساتذة». ويقلّل من أثر الإجراءات القمعية التي يمارسها عدد من مديري الثانويات والمدارس بحق أساتذتهم، «فالمدرسة ملك للدولة، والأستاذ موظف لدى الأخيرة لا عند المدير، الذي لا يمكنه منعه من التوقيع على دفتر الحضور، ولو جاء بقوى الأمن». ويشير الحجيري إلى «وجود تراتبية في العقوبات، إذ لا يمكن التهديد بالحسم من الراتب مباشرةً، بل هناك تدرّج»، ساخراً من خطوة الحسومات بالقول «الراتب محسوم أصلاً».
يتفق النقابي حسن مظلوم مع رأي الحجيري، إذ يحسم بـ«استحالة الضغط على أساتذة الثانوي»، ويدعو إلى «وضع اتفاق حول العودة لا المكرمات»، ويرى في إجراء الامتحانات الرّسمية من دون التعليم الرّسمي «أمراً مستحيلاً»، مكرّراً كلامه في الاعتصام الأخير بـ«أنّ التأخير بعقد مجلس مندوبين يعني انتخاب رابطة أمر واقع تعيد للأساتذة كرامتهم».

التعليم تطوّعاً
وعلى الرّغم من بقاء أساتذة الثانوي المنتفضين على إضرابهم، وحيدين في السّاحة، من دون أيّ غطاء نقابي، كان لافتاً للنظر وجود أساتذة في ملاك التعليم الأساسي معهم أمس في مختلف المناطق، «بناتي تلميذات في ثانوية رسمية، ولم أرسلهنّ اليوم احتراماً لإضراب أساتذتهنّ» تقول الأستاذة في ملاك التعليم الأساسي نسرين درزي، التي عادت إلى التعليم «تطوّعاً، إذ لا توقّع على دفتر الحضور رفضاً لاشتراط الحوافز بالإمضاء».
يؤكد الأساتذة أن نسبة الالتزام بالإضراب 90% وتردّ الروابط بأنها 40%


أستاذة التعليم الأساسي عبير خطّار، من الذين يرفضون «ذلّ التوقيع على دفاتر الحضور، والدخول للتعليم بتقديمات أقلّ من تلك التي بدأ الإضراب بها». تشير إلى «أنّ راتبها اليوم لا يتخطى الـ 125 دولاراً، بينما كان في بداية الإضراب 300»، مفضلةً «البقاء بكرامتها إلى جانب أساتذة الثانوي المستمرّين في الإضراب». وترفض خطّار «التهديد بالتفتيش، وحسم الحوافز، والاستجوابات»، وهي الوسائل الترهيبية التي تستخدمها دوائر الوزارة لقمع أيّ رفض للعودة إلى المدارس، وعلى إثر استخدامها «ينخفض عدد الممتنعين عن التعليم من 7 إلى 4»، بحسب خطّار، التي تختم بالسّؤال عن «طريقة العيش على الوعود».

مستقبل التعليم الرسمي
لا يوافق أحد أعضاء الهيئة الإدارية في رابطة الثانوي على النّسبة التي يعلنها المنتفضون حول الالتزام بالإضراب، إذ «تشير إحصاءاتنا إلى أنّ 60% من الثانويات متجاوبة لفتح أبوابها، لكنّنا لسنا في مورد مزايدة على المنتفضين». يتفق معهم على «الأحقّية في الإضراب»، مؤكّداً «تضامنه كأستاذ، إذ لا أحد مجبر على العودة»، ولكن «علينا أن نرى بالعين الواسعة أكثر، فالإضراب أصبح ورقة ضغط ميّتة لا تحصّل شيئاً، بل تضعنا في مشكلة مع الأهالي والمتعاقدين، وهذا ما تبيّن في الأسبوع التاسع منه»، ويدعو «بمحبة وأخوّة وزمالة للعودة إلى التعليم، لأنّ الأفق مسدود». كما يبدي تخوّفاً جدياً من انهيار التعليم الرّسمي «هذا ما أراه قادماً، وإن لم نصمد ونعلّم الشهرين المقبلين، فلن تقوم قيامة التعليم الرّسمي بعد ذلك، وهذا ما دفع الهيئة الإدارية إلى الاحتماء بالبيان، والتراجع عن عقد الجمعيات العمومية، لأنّها تعني الإضراب المفتوح، ونحن نريد الحفاظ على التعليم الرّسمي»، متمنياً «عقد لقاء تربوي مع كلّ المنتفضين لحماية القطاع».
ويشير إلى «وجود عمل لوضع سعر خاص لموظفي القطاع العام، إلا أنّ الأمر يتعلّق برئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان فقط»، ويطمئن إلى «حلحلة على مستوى التغطية الصحيّة، فهناك سلفة خزينة ستصرف لمصلحة تعاونية موظفي الدولة»، ويؤكّد العمل على «استفادة الأساتذة من سلفة الـ 1500 مليار ليرة الخاصة بتغطية بدلات الإنتاجية لموظفي الإدارة العامة»، ويختم بالقول «نحن لم نخيّر بين التعليم والعيش، ولو كان الأمر كذلك، فلتقفل المدرسة».