يدخل معظم أساتذة الثانوي، الشهر الثالث من الإضراب، وحدهم من دون أيّ غطاء نقابي على مستوى الهيئة الإدارية لرابطتهم التي أنهت تحرّكها، «وأضاعت 35 يوماً تدريسياً فعلياً، أي نصف المدّة المتبقّية لنهاية العام الدراسي، بلا مكتسبات» بحسب الأساتذة. لا مجال للنقاش في أمر واضح وضوح الشمس، إذا احتُسبت الأمور بالورقة والقلم، لذا يعلن الأساتذة صراحةً «عجزهم عن الاستمرار في تمويل التعليم الرّسمي من مدّخراتهم، أو ببيع ممتلكاتهم من سيارات وقطع أرض في القرى، بعد 3 سنوات على الأزمة». النتيجة أنّه لا تعليم هذا الأسبوع أيضاً في معظم الثانويات، بل اعتصامات للأساتذة بشكل لا مركزي في المناطق، تنطلق غداً من أمام مبنى وزارة التربية في بيروت، ومراكز المناطق التربوية في المحافظات عند السّاعة العاشرة والنصف صباحاً.
يعلن الأساتذة عجزهم عن الاستمرار في تمويل التعليم الرّسمي من مدّخراتهم (مروان بو حيدر)

الأساسي يعود
يقابل إضراب الثانوي شبه عودة للتدريس في مدارس التعليم الأساسي، مع عودة التلامذة بشكل متدرّج إلى صفوفهم للأسبوع الثاني على التوالي، على إثر تعليق روابط التعليم مجتمعةً إضرابها في السّادس من آذار، ما أدّى إلى رجوع معظم أساتذة الملاك والتعاقد في المرحلة الأساسية إلى التدريس. ومن لم يعد منهم الأسبوع الماضي، يقول: «سنرجع رغماً عن إرادتنا، ولو لم نحصل على أيّ شيء، وفوقها سننتظر الاستجوابات عن إضرابنا المنفرد، ولكن لا يمكننا المحاربة وحدنا». وتسجّل هذه العودة استثناءً كبيراً على مستوى منطقة عكار التربوية، حيث تصرّ غالبية الأساتذة على الاستمرار في الإضراب وإقفال المدارس.
هذه الشرذمة يعيدها أمين سرّ اللجان النقابية التربوية ركان فقيه، لـ«وجود كتل غير متراصّة في التعليم الأساسي، فالأساتذة منقسمون بين ملاك وتعاقد، وهناك رابطة للجهة الأولى، و3 لجان متابعة للجهة الثانية»، داعياً في الوقت ذاته إلى «بناء علاقات مميّزة مع الأهل، فموقفهم هو الثغرة الأساسية التي لا يُعمل عليها أبداً». وعن مصير العام الدراسي، يبدي فقيه خشيةً من أن يؤدي «استمرار الإضراب إلى طبقية في التعليم، إذ لا يتلقّى تلميذ المدرسة الرّسمية تعليماً جيّداً»، ويختم بضرورة «إعادة النظر، وتوحيد صفوف الملاك والمتعاقدين والأهل، كي لا يكون الأساتذة مكشوفين اجتماعياً».

طلبات تسليف
المصرّون على الإضراب من الأساتذة على موقفهم، يعتذرون إلى التلامذة وأهاليهم، ويرون أنّ «الأولوية ليست في تسيير العام الدراسي، بل في إيجاد الغذاء والدواء لبيوتهم، فلن يتمكن الأستاذ من التعليم بشكل لائق وتفكيره محصور بربطة الخبز»، ويشيرون إلى «حتمية استمرار الإضراب، فأيّ من المطالب التي طُرحت في بدايته لم تتحقّق». الأساتذة مكشوفون صحيّاً، وبدل النقل لم يتغيّر سوى على الورق مع وعد بجعله 5 ليترات يومياً، إلا أنّ اللجنة الوزارية المكلّفة بوضع الدراسة لم تجتمع، حتى منصة صيرفة التي يطالب الأساتذة بتثبيتها على 15 ألفاً في ارتفاع مستمر، ما يجعل من الرّقم الأخير عبارةً عن مزحة ثقيلة، مع وصول تهاوي قيمة الليرة عليها إلى حدود الـ73 ألفاً، يعود راتب الأستاذ المضاعف لينزل تحت عتبة الـ100 دولار.
وفي المقابل، لا تقدّم الدولة ممثلةً بالحكومة ووزارة التربية سوى الوعود، وطلبات التسليف وتقديم التضحيات من موظفيها، وتنجح في وضعهم في مواجهةٍ مباشرةٍ مع الرّأي العام بعد تحميلهم مسؤولية ضياع العام الدراسي على ما يقارب الـ400 ألف تلميذ في القطاع الرّسمي، في حين أنّها تتفرّج على أوجاعهم وتدّعي الإنجازات، وتروّج للأخبار الكاذبة، كحسم بعض أهل التربية «عدم حاجة أساتذة الملاك إلى بدلات نقل مجزية كونهم يسكنون في محيط الثانويات»، بينما الواقع على الأرض يجافي كلامهم بشكل تام، إذ يندر وجود أستاذ لا يحتاج إلى وسيلة نقل للوصول إلى مركز عمله، عدا سكّان القرى الذين يقطعون عشرات الكيلومترات بين المناطق ذهاباً وإياباً، بشكل يومي.

شراء للأساتذة؟
وآخر إنجازات وزارة التربية تمثّل ببيان الوزير عباس الحلبي الذي يدّعي صرف «مبالغ بالعملة الأجنبية لـ57 ألف مستفيد من الأساتذة والعاملين في الحقل التربوي»، في حين أنّها لم تصل إلّا إلى المديرين على شكل 150 دولاراً إضافية عمّا كان أُقرّ في القرار 147/م، و100 دولار لمعظم المتعاقدين، من دون غالبية أساتذة الملاك. وهذه العملية على سهولتها، تشوبها الكثير من المشكلات، إذ تنتشر أخبار وصول الرسائل على أرقام هاتفية مغايرة لأرقام الأساتذة، عدا هزالة المبلغ الذي لا يزيد عن 100 دولار، «يعتقد الوزير والروابط أنّهم سيشترون بها الأساتذة»، بحسب أحد النقابيين.

هل من برنامج للمعارضة؟
في مقابل إصرار غالبية أساتذة التعليم الثانوي على المواجهة، يظهر لدى بعضهم توجه آخر يطالب القوى المعارضة للرابطة بـ«تنظيم صفوفها والإعلان عن قيادتها وبرنامجها بشكل واضح، والتوقف عن تحميل المسؤولية للروابط». ويضيف أصحاب هذا التوجه أنّ «الخاسر الأكبر من الصراع هو التلميذ»، طارحين تساؤلات على شاكلة «كيف ومتى يعوّض ما فات من العام الدراسي، وخاصة أن أفق العودة إلى المدارس غير واضح المعالم والتواريخ»، ويتخوّفون من وقوع «سابقة لم تحدث طوال الحروب التي توالت على لبنان، وتتمثّل بضياع سنة دراسية كاملة على الطلاب»، ما يعني برأيهم «أنّنا اليوم في وضع تربوي أسوأ من بداية الحرب عام 1975، ومن الاجتياحات عامَي 1978 و1982، إذ بقيت المدارس تعمل حينها، أمّا اليوم، فالتعطيل شامل».