لم يرفعوا رشاشاتهم في وجوهنا. بل كانوا مربكين، ينهون عملهم بسرعة بحماية مدرعاتهم وقوات اليونيفل
على تطبيق (تيك توك)، حوّل سهاد قطيش (48 عاماً) الأشغال المعادية إلى مسلسل كوميدي. نشر مقاطع مصوّرة وهو يهزأ بالجنود المشاركين في الجرف والحفر والتدعيم والحماية. رصد وجوههم المتعبة وعيونهم الخائفة. في الأيام الماضية، كانت المرة الثانية التي يقف فيها وجهاً لوجه مع الجنود الإسرائيليين. المرة الأولى كانت بعد تحرير بلدته. كان من بين الذين تفقّدوا القبر المنسوب إلى أحد العبّاد أو الزهّاد فوق التلة المرتفعة. ترسيم الخط الأزرق حينها شطر القبر نصفين، قبل أن يستحدث العدو موقعاً ضخماً. «إثر التحرير، كان الجنود فوق القبر يتأهبون في وجوهنا. يفرضون رهبتهم ويصوّبون رشاشاتهم لتخويفنا وإبعادنا. أما الآن، وبعد 23 سنة، فقد شعرت فعلاً بأن إسرائيل انتهت. لم يكن من حاجز بيننا. لم يرفعوا رشاشاتهم في وجوهنا. بل كانوا مربكين، ينهون عملهم بسرعة بحماية مدرعاتهم وقوات اليونيفيل». يشعر قطيش بغبطة غير مسبوقة. «كأنه حلم تحقق أخيراً. ثأرت لشقيقتي وأربعة من أشقائي الذين اقتادتهم إسرائيل وعملاؤها إلى معتقل الخيام. وثأرت لشهداء مجزرة حولا التي ارتكبتها عصابات الهاغاناه ضد الأهالي العزّل انتقاماً لدعمهم جيش الإنقاذ العربي الذي حضر لنصرة فلسطين بعد النكبة». من حوله، جلس أبناؤه الذين نشأوا بعد عدوان تموز 2006، يفرحون لمقارعة والدهم لجنود العدو، لكنهم لا يفقهون أثر الحلم الذي حقّقه بوقفته. «هم لا يعرفون إلا إسرائيل الأوهن من بيت العنكبوت. أما أنا فأعرفها في عزها الذي عشنا تحت نيره 22 عاماً. لا أنسى خوفي وأنا طفل من دبابة الميركافا التي كانوا يسمونها دبابة الرب وهي تقتحم بلدتنا مع العملاء لاعتقال إخوتي وأقاربي وجيراني. أنا ملدوغ منهم. كنت كالمثل القائل: مجروح وطالع عالكروم. فشّيت خلقي وشمتّ بهم».
إلى جانب أنقاض أحد مواقع مجزرة 1948، يجلس محمد مصطفى (87 عاماً)، مبتسماً وهو يتابع أخبار التحصينات الإسرائيلية. الناجي من المجزرة لا يستغرب حماسة شبان البلدة للتشويش على الورشة المعادية في العباد، ويوقن أن العدو لن يمسّهم. «إسرائيل عارفة مين في وراهم. إنها المقاومة. لن تجرؤ على المسّ بأيّ منهم، مهما فعل. سواء سحب جعبة أحد جنودها أو رماهم بحجر». يحفظ مصطفى موقع الأشغال بدقة. «إنه جلّ بيت قطيش المقابل لقلعة هونين. كنا نقصده صغاراً لنمشي بين أشجار التين. فكيف أصبح خلف الخط الأزرق وضمن (الأراضي الإسرائيلية)، ما دام التين نفسه على جانبي الخط؟».