للمرّة الثالثة، جاء صباح أمس وفد من شرطة بلدية طرابلس وفريق الدائرة الهندسيّة في البلدية إلى مبنى جعارة وإيعالي في منطقة الزاهرية. الهدف لم يكن للكشف على المبنى ومدى صلاحيته للسكن، وإنّما لإبلاغ سكّانه بضرورة إخلائه فوراً، لأنّه معرّض لخطر الانهيار في أيّ لحظة بسبب تصدّع أساساته وجدرانه وأعمدته، وتشققها. نزل الخبر كالصّاعقة على سكّان المبنى المكوّن من 10 طوابق، في كلّ طابق شقتان. أي أنّ 20 عائلة وجدت نفسها فجأة أمام خيارين، أحلاهما مرّ: إمّا البحث عن مسكن بديل، وهو أمر لا تستطيع معظم العائلات تأمينه بسبب أوضاعها المادية الصعبة؛ أو البقاء في البيوت مع ما يعني ذلك من تعريض أنفسهم لخطر محدق.
ردّة فعل سكّان المبنى كانت في نزولهم إلى الشارع وقطعه لبعض الوقت، معلنين أنّهم لن يخرجوا منه قبل مجيء مسؤولين في البلدية والمدينة لإيجاد حلّ لهم وتأمين مساكن بديلة قبل وقوع الكارثة، إلّا أنّ أحداً لم يأتِ. وهذا ما دفع أحد المعتصمين إلى تحميل مسؤولية ما سيحصل إلى «من يطلبون منا أن نخلي المبنى ويذهبون من دون أن يجدوا لنا حلّاً للمشكلة، ليرفعوا المسؤولية عنهم».
تقول سيدة ستينية تقيم في الطابق الثالث من المبنى بتأثر واضح: «لقد طلبوا منّا إخلاء المبنى فوراً من غير أن يساعدونا أو يعوّضوا علينا. إلى أين نذهب، ليس هناك مكان نأوي إليه، هل ننام في الشّارع؟». تكتم دموعها وتضيف باستسلام: «ما إلنا إلّا رحمة الله». لا تخفي جارتها الأربعينية أنّ المبنى «كان يهتزّ سابقاً، وازداد بعد الهزّة الأرضية في 6 شباط»، إلا أنّ هذا لا يعني أن أحداً مستعدّ للمغادرة «ليس أننا لا نرغب، لكننا لا نستطيع ذلك. لا يوجد لدينا أيّ مسكن بديل يؤوينا، لذا سنبقى في بيوتنا حتى لو كان خطر الموت ينتظرنا»، متسائلة عن «سبب عدم مساعدة أهل طرابلس برغم أنّهم فقراء جدّاً؟ فليساعدونا كما يساعدون تركيا وسوريا».
سألتني ابنتي قبل أن تذهب إلى المدرسة إن كان البيت سيسقط فوقنا ونموت؟


الاضطرار إلى البقاء في شقق المبنى المتداعي يكاد يشمل جميع العائلات المقيمة فيه، سوى قلّة منها غادرته. إحدى السيدات من اللواتي شاركن في الاعتصام أمام المبنى بعد تبلغهنّ قرار الإخلاء، قالت بحرقة: «صباحاً أرسلت ابنتي إلى المدرسة، فقالت لي قبل أن تغادر: ماما، هل سنبقى في هذا البيت ليسقط فوقنا ونموت؟». إلى المكان هرعت سيدة بعدما سمعت بخبر قرار الإخلاء لوجود أقرباء وأصدقاء لها يقيمون فيه. تقول: «أبلغني أقربائي أنّهم قد يأتون للسّكن عندي، لكنّ المشكلة أنّ بيتي صغير وهو بالكاد يتّسع لعائلتي، كما أنّه يصعب تحمّل أعباء الآخرين في هذه الظروف الصعبة» متسائلة عن دور البلدية في تأمين مسكن بديل للعائلات قبل إبلاغهم قرار الإخلاء الفوري. السؤال نفسه كرّره أحد قاطني المبنى: «أين البلدية والدولة والمسؤولون، ولماذا لم يبادر أحد منهم إلى المساعدة؟». وعندما يُسأل أين سينام الأهالي إذا أجبروا على ترك المبنى ولم يجدوا مساكن بديلة تؤويهم، يردّ: «هل سينامون في غير مبنى البلدية وبيوت النوّاب والمسؤولين؟».
وكانت مصادر في البلدية قد أكدت أنها لا تملك أيّ إمكانات لمعالجة المشكلة «وأنها تقوم بالحدّ الأدنى من واجبها وهو إخطار سكان المباني المتصدّعة بالإخلاء الفوري».