لأوّل مرّة في تاريخ لبنان، لن يكون اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة الذي يصادف غداً، مناسبة للنّعي والشكوى. هذا ما يجمع عليه الناشطون في الدفاع عن حقوق الأشخاص المعوّقين، ويؤكد أحدهم، إبراهيم عبد الله أنّ بيان تحالف جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي سينشر غداً، سيخرج بنكهة متفائلة. يبدو الأفق مزهراً، والجميع يستبشر خيراً بالاتفاقية الدّولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي قامت من سبات دام 15 عاماً، وستدخل قريباً حيّز التّنفيذ بعدما أعطى مجلس النواب الحكومة الحق في المصادقة عليها في 12 نيسان الماضي.في 14 حزيران عام 2007 وقّعت الحكومة اللبنانية على «الاتفاقية الدّولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة»، وأحالتها إلى مجلس النواب في أكثر الفترات السياسية سخونة. مقاطعة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك، وتعطّل العلاقة بين المجلسَين النيابي والوزاري، حالا دون تمريرها. ورغم توالي الحكومات بعدها، ظلّت الاتفاقية عالقة في أدراج مجلس النواب. وظلّ الناشطون الحقوقيون، وخلفهم جيش من الأشخاص المعوّقين وذويهم وجمعيّات تنادي بحقوقهم يطالبون بـ«تحريرها» من دون أن يسمع أحد صوتهم حتى سلكت الاتفاقية طريقها بين ليلة وضحاها.

إحياء الاتفاقية
هناك بطلان في حكاية الاتفاقية، كلاهما أصحاب احتياجات خاصّة و«صوت مسموع». الأول هو الشاب جو رحّال، الذي عيّنه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل مستشاراً خاصاً لمتابعة قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة عندما كان وزيراً للخارجية في شباط 2019. جال رحّال على كرسيّه المتحرك على الأشخاص المقعدين وجمعياتهم، وسألهم عن مطالبهم، فأجمعوا على المطالبة بسحب الاتفاقية من عنق زجاجة مجلس النواب. وهذا ما حصل، صدر قرار وزاري بإعادتها إلى مجلس الوزراء لإرسالها ثانية... لكنّها عادت ونامت في أدراج مجلس الوزراء مجدداً. عندها، وصلت «البطلة الثانية» سارة منقارة، وهي مستشارة الولايات المتّحدة الأميركية لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم، وشابة لبنانية كفيفة، إلى لبنان مطلع العام 2022. ومثل مصباح علاء الدين، سألت الأشخاص المعوقين في لبنان عما يحتاجون إليه فقالوا ثانية: «نريد الاتفاقية». اجتمعت منقارة بالرؤساء الثلاثة في آذار الماضي، و«بسحر ساحر» أعطى المجلس النيابي الحكومة الحق في المصادقة عليها في 12 نيسان.

لماذا نتفاءل؟
المهم أنّ الاتفاقية صارت جاهزة فعليّاً، ولا ينقصها سوى أن يعقد مجلس الوزراء جلسته ويرسل إخباراً إلى الأمم المتّحدة أنّ لبنان صادق عليها لتدخل حيّز التنفيذ. يدور كثير من الأسئلة في فلك الاتفاقية، أهمها: من أين تستمدّ قوتها وأهميتها حتى يتمسك بها المعنيون، منذ عام 2007، ويسعدون بالمصادقة عليها؟ وماذا تضيف على القانون 220 الذي يتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ولم يطبق أصلاً في كثير من جوانبه؟ ما الذي يضمن احترام بنود الاتفاقية ولبنان معروف بخرقه للاتفاقيات والمواثيق الدولية؟ وإذا أبدى لبنان نيات جدية لتطبيقها، من أين يأتي بالأموال وهو يمرّ في أصعب أزمة اقتصادية في تاريخه؟

مظلة شاملة
بكثير من الإيجابية، يجيب إبراهيم عبد الله، الذي كان من ضمن الوفد اللبناني المشارك في مفاوضات وضع الاتفاقية منذ عام 2002 حتى اعتُمدت الاتفاقية وبروتوكولها الاختياري في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2006 في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، عن هذه الأسئلة. يستهلّ حديثه عن أهمية الاتفاقية باعتبارها «مظلّة شاملة لعدد أكبر من حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة والتي لم يأتِ القانون 220 على ذكرها». الجديد فيها أمران أساسيان: «سياسة الدمج التي توفر للأشخاص المعوّقين الحق في العيش باستقلالية في المجتمع، والحق في إمكانية الوصول من بابها الواسع، متعديّة المجال الهندسي إلى الوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا الحديثة وغيرها».

«سيخافون من خرقها»
على أهميّة هذه الاتفاقية عموماً في حماية حقوق الأشخاص المعوّقين، يعزو عبد الله أصل تفاؤلهم إلى كونها اتفاقية ملزمة إلى حدّ «سيخاف السياسيون في لبنان من خرقها للحفاظ على ماء وجههم أمام المجتمع الدولي»، ويشرح ذلك بالحديث عن آلية رفع شكاوى إلى الأمم المتحدة في حال حصول الخرق. «فلبنان ملزم، بموجب الاتفاقية، بأن يرسل كل 4 سنوات تقريراً إلى الأمم المتحدة لشرح كيفية تطبيق بنود الاتفاقية. والجيد في الأمر أن جمعيات المجتمع المدني وأي شخص مهتم في مجال الإعاقة، بإمكانهم إرسال بروتوكول إلى جانب التقرير الرسمي يفنّدون فيه ما جرى تحقيقه ويكون بمثابة العين الساهرة على أداء الحكومة ومدى تطبيقها الاتفاقية».

انعطافة في التمويل
الهمّ المادي لا يعكّر صفوهم أيضاً. الناشطون في المجال الحقوقي، ولا سيما ذوو الإعاقة متفائلون إلى أبعد الحدود. يتحدّث عبد الله، عن «انعطافة في التمويل عبر تخصيص المنح للجهات غير الحكومية بدلاً من الجهات الرسمية التي لها تاريخ أسود في سرقة هذه الأموال، بالإضافة إلى تغيير في طريقة إدارة المشاريع بعد التحوّل لأول مرّة إلى شراكة بين منظمات المجتمع المدني وجمعياته، مع منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بدلاً من توزيع المنح على أكثر من جهة».
بدأت اللجنة النيابية لحقوق الإنسان العمل على تعديل القوانين لتواكب الاتفاقية


تجدر الإشارة إلى أنّ المادة 32 من الاتفاقية تنصّ على التعاون الدولي من أجل تمويل المشاريع. «فتتعهد الدول الغنية مساعدة الدول الفقيرة لدعم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وهناك الكثير من الدول التي تستفيد من دعم تلك الغنية في هذا المجال مثل الأردن وتانزانيا وكينيا»، وفق عبد الله.
بعد دخول الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حيّز التنفيذ، يبدأ مسار طويل يتمثل بجردة القوانين الحالية وتعديلها لتنسجم مع مبادئ الاتفاقية وبنودها. و«قد بدأت فعلاً اللجنة النيابية لحقوق الإنسان العمل على تعديل القوانين مثل قانون العمل والإعلام، كما يرجّح أن يصدر قانون جديد للأشخاص ذوي الإعاقة».



نشاطات مواكبة
يفترض أن يوزّع تحالف جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة اليوم بياناً موحداً على مختلف وسائل الإعلام، يعلن فيه خطة عمله المقبلة.
وتطلق «حملة حقي – الحملة الوطنية لإقرار الحقوق السياسية للأشخاص المعوّقين في لبنان»، تقرير مراقبة الانتخابات النيابية 2022، عند الساعة العاشرة صباح اليوم في فندق راديسون بلو في فردان.
وعند الساعة الثانية عشرة والنصف، يرعى وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي الاحتفال باليوم الوطني للتلامذة ذوي الاحتياجات الخاصة والصعوبات التعلمية، في قاعة المسرح في الوزارة.