يعكس ازدهار مبيع المواقد التي تعمل على الحطب، في البلدات والقرى الجردية الشّمالية، الأزمة المعيشية التي يعانيها أغلب المواطنين نتيجة عدم قدرتهم على شراء المازوت أو الغاز بسبب ارتفاع أسعارهما بشكل يفوق قدراتهم الشّرائية، ما جعل التوجّه إلى مواقد الحطب بديلاً وحيداً متاحاً أمامهم لمواجهة صقيع وبرد الشّتاء.

هذا التحوّل يؤكّده مصطفى الغول، صاحب محل لبيع مواقد (صوبيات) الحطب على طريق طرابلس ـ الضنّية، ويشير إلى أنّ «مبيعات مواقد الحطب زادت هذا العام بشكل كبير، وأكثر من 90% من المواقد التي بعناها خلال هذا العام تعمل على الحطب، بعدما كانت نسبة مبيعاتها لا تزيد على 20% قبل عامين». ويردّ أسباب إقبال المواطنين على هذا النوع من المدافئ إلى «تراجع قدرة المواطنين الشّرائية بعدما أصبح سعر صفيحة المازوت يقارب 900 ألف ليرة لبنانية، مقابل الحطب الذي يمكن تأمينه من الأراضي الزّراعية أو الأحراج القريبة». ويوضح أنّ أسعار مواقد الحطب تتراوح بين 40 دولاراً كحدّ أدنى، وصولاً إلى 500 دولار، حسب «موديلاتها» وميزاتها.

حِرصُ المواطنين على تأمين الحطب كمؤونة للتدفئة في فصل الشّتاء يقابله اهتمام شديد لدى المزارعين بجمعه من أراضيهم الزّراعية خلال فترة التقليم في الأيّام الأخيرة؛ بعدما كان يُباع بأبخس الأسعار أو يُتلف حرقاً، خصوصاً أغصانه الصغيرة والمتوسطة. إلا أنّ المواطنين الذين لا يملكون أراضي زراعية، أو الذين لا يكتفون بإنتاجهم من الحطب، فإنّهم لم يتردّدوا في التوجّه نحو المناطق الحرجية القريبة من مناطق سكنهم، وهي أحراج شهدت في الأشهر الماضية «مجازر» بيئية بكلّ معنى الكلمة، ما جعل أشجاراً حرجية معمّرة ومناطق حرجية صغيرة مجاورة للمناطق السكنية تختفي نهائياً بسبب عمليات القطع الجائرة.

هذا الإقبال على الحطب جرى استغلاله من قبل التجّار الذي أقدموا على تجميع كميات كبيرة منه وتخزينها منذ أشهر لهذه الغاية، سواء من أراضيهم الزّراعية أو من الأراضي الحرجية، خصوصاً البعيدة عن الأنظار، التي جرى القضاء على مساحات واسعة منها، لا سيّما في مناطق الضنّية وعكّار وزغرتا والمنية، من غير أن تفلح محاولات البلديات واتحادات البلديات ومراكز الأحراج التابعة لوزارة الزراعة في ردع المخالفين.

وأوضح عناصر في مراكز أحراج شمالية لـ«الأخبار» أنّ «بعض هؤلاء التجّار والمعتدين تجرّأوا على مهاجمة عناصر شرطة البلديات وشرطة مراكز الأحراج عندما حاولوا منعهم من الاستمرار في تعدياتهم، مستخدمين العصيّ وآلات حادة، فضلاً عن أسحلة فردية في بعض الأحيان، ما جعل العناصر ينسحبون ويكتفون بتسطير محاضر ضبط بحقهم، إضافة إلى رفع دعاوى ضدهم في مخافر قوى الأمن الداخلي».

لكنّ هذه الهجمة على المناطق الحرجية وتخزين وبيع الحطب لم يُسهم في انخفاض سعره، ذلك أنّ سعر الطنّ منه يُباع بنحو 200 دولار كسعر متوسط، يرتفع أو ينخفض حسب نوع الحطب وجودته، وهو سعر بات يقارب سعر المازوت، ذلك أنّ أيّ منزل في المناطق الجردية يحتاج إلى ما بين 4 ـ 5 أطنان من الحطب خلال فصل الشّتاء، أيّ ما بين 800 و1000دولار، وهي تكلفة لا تقلّ عن تكلفة شراء المازوت إلّا بنسبة بسيطة، كون أيّ منزل في هذه المناطق يحتاج إلى 4 براميل مازوت على أقل تقدير، وهذه البراميل لا يقلّ سعرها عن ألف دولار.