تظهر المؤشرات والاستعدادات التي تسبق انعقاد اجتماع الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ (كوب 27) بداية الشهر المقبل في شرم الشيخ، أن المناخ ذاهب إلى المزيد من التطرّف.مبرّرات هذا الاستنتاج، معظم التطورات الدراماتيكية التي حصلت بين قمة العام الماضي في غلاسكو حتى الآن. أوّل هذه التطورات الحرب الروسية الأوكرانية والانغماسات الدولية فيها، والتي تسبّبت بانقطاع إمدادات الغاز الروسية عن أوروبا وبأزمة طاقة وغذاء… ولم يتمّ التعويض عنه إلا بعودة بعض الدول إلى الفحم الحجري، ما اعتبر أول انتكاسة حقيقية لتوصيات قمة غلاسكو العام الماضي.
ليس هذا وحسب، بل إن تمويل الحرب من الأطراف كافة، يفترض أن يطيح أيضاً بتمويل المناخ، وهو الذي لم يكن مضموناً أصلاً (بغضّ النظر عن أكلاف الحرب)، كون اتفاقية باريس عام 2015 كانت قد نصّت على أن تضخّ الدول المتقدمة مئة مليار دولار سنوياً ابتداء من عام 2020، وقد مرّ عامان دون الوفاء بهذا الالتزام.
بالإضافة إلى ذلك، أتى النزاع المستجد بين الولايات المتحدة الأميركية والصين على تايوان ليزيد المشهد بؤساً ويقطع آخر الآمال لإنجاح مساعي المناخ. فقد أعلنت الصين، ضمن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى الرد على الولايات المتحدة، أنّها ستتوقف عن العمل مع الولايات المتحدة بشأن تغيّر المناخ إلى جانب قضايا رئيسية أخرى… بسبب ما وصفته بكين بـ"الاستفزاز الفظيع" الذي قامت به نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، أثناء زيارتها لتايوان. مع العلم أن هناك أكثر من محاولة فاشلة تاريخياً للتفاهم بينهما، لكونهما يتسببان وحدهما بما يقرب من 20% من الانبعاثات العالمية، ولم ينجحا في الاتفاق على شيء!
بين المؤشرات السلبية أيضاً، إعلان الجانب البريطاني الذي كان يترأس قمة المناخ العام الماضي، أن الملك الجديد، الذي كان متحمّساً كثيراً لقضية تغيّر المناخ، أنّه لن يذهب إلى شرم الشيخ لتسليم الرئاسة إلى الجانب المصري، وأن رئيسة الوزراء هي التي ستشارك في القمة، في وقت أعلنت حكومتها عن جولة جديدة من التراخيص لمشاريع استخراج نفط وغاز في بحر الشمال، والتي لا تتناسب مع تعهدات بريطانيا العام الماضي بالحدّ من الانبعاثات بين عامَي 2023 و2037!
وما زاد المشهد سواداً، إعلان الدولة المضيفة لقمة شرم الشيخ عن رعاية شركة كوكا كولا للمؤتمر! فهذه الرعاية، تعبّر بشكل أو بآخر عن رمزية استثمارية-استهلاكية، لا تتوافق مع متطلبات معالجة قضايا بخطورة تغيّر المناخ. ليست مشكلة هذه الشركة العالمية فقط بأنها تنتج نفايات بلاستيكية (صناعة بترولية) تقدر بثلاثة ملايين طن من العبوات سنوياً، وكأنها تقوم بـ"غسل أخضر" لملوّثاتها البلاستيكية العالمية، كما ذهبت الجمعيات العالمية التي اعترضت على رعايتها… بل لأنها تستخدم كمية ضخمة من مياه الشرب العامة وتخصّصها بأشكال ملتوية عدة بعد صبغها وتحليتها وتغويزها وتنكيهها… وجعلها سلعة تجارية عالمية مغرية، تغزو بها العالم. فالسؤال الذي يفترض أن تجيب عليه الدول التي تجتمع برعايتها، كيف تنجح شركة في إيصال منتجاتها من المياه الملوّنة (والباردة أيضاً) إلى كلّ أصقاع الأرض، ولا تنجح الدول في إيصال المياه العذبة (التي هي حق من حقوق مواطنيها) إلى جميع الناس!؟ ثم إذا عرفنا أن هذه الشركة ومثيلاتها، كانت تقدّم مجاناً البرادات إلى المحلات التجارية، الكبيرة منها والصغيرة، في المدن كما في أصغر القرى النائية التي تصلها الكهرباء (لأن مشروباتها الغازية لا تُستهلك إلا باردة)، يصبح السؤال، كيف تنجح في ذلك وما هي كلفة هذا "التبريد" على المناخ أيضاً؟!
فإذا كان نجاح الشركات المعولمة هو "النموذج"، ولهذا تقوم بدور الرعاية، فلماذا لا تتحوّل قمم المناخ إلى قمم الشركات العالمية بعد إعلان الدول إفلاسها وفشلها في إدارتها لشؤون الناس والكوكب؟! أما إذا كانت هذه الشركات هي ومثيلاتها المتسبّبة في أكبر المشكلات العالمية، لا سيما مشكلة تغيّر المناخ (التي يبدو أن مظاهرها المناخية المتطرفة من ارتفاع درجات حرارة الأرض إلى الأعاصير والفيضانات والحرائق التي لم يسلم منها أي بلد في العالم)، فلماذا يتم القبول برعايتها بدل محاسبتها؟!
ليس هناك من معيار لقياس مدى نجاح قمم المناخ أكثر صدقاً، من ذاك الذي يقيس مدى اقتراب المباحثات من طرح جوهر المشكلة المتمثلة بنظام اقتصاد السوق، القائم على المنافسة على كلّ شيء. فإذا استطاعت المباحثات طرح دور الشركات العالمية المسيطرة على النظام العالمي وإعادة النظر بظروف اشتغاله واستغلاله للموارد، نكون على الطريق الصحيح من أجل بدء المعالجة. وغير ذلك، سنعود إلى نغمة طلب التعويضات الزهيدة (لبلدان تسمي نفسها نامية)على كوارث قد تطيح بكلّ "مكتسبات الحضارة" التي توهمناها.