يعيش العمل النقابي في الجامعة اللبنانية، اليوم، إرباكاً حقيقياً. يذهب بعض الأساتذة بعيداً للقول إن «الرابطة ماتت والجميع في انتظار مراسم الدفن». هذا البعض خرق الإضراب، ويستعدّ لعام دراسي جديد بالإمكانات الموجودة، بعدما فقد الثقة تماماً بقدرة الرابطة على تمثيل مصالحه. في المقابل، لا يزال البعض الآخر يتمسك بما تبقى من قوانين تجيز للهيئة العامة للأساتذة، أعلى سلطة في الرابطة، استكمال مواجهة الحلول الترقيعية التي تبتدعها السلطة السياسية تجاه الجامعة. هؤلاء مستمرون في الإضراب على قاعدة «لا عودة إلى التعليم الحضوري من دون أدنى مقومات تطبيقه».
«الرابطة صوت الإدارة»
مشكلة العمل النقابي، كما تقول، ممثلة أساتذة كلية الآداب والعلوم الإنسانية في مجلس الجامعة، داليا خريباني، هي أنه «لا يوجد اليوم نقابيون أكفاء على غرار الكبار الذين مرّوا عليها وكان يحسب لهم المسؤولون حساباً. فالرابطة اليوم تمثل صوت الإدارة وليس صوت الأساتذة، وهناك مآرب شخصية لبعض أعضائها».

تحرّكات خجولة طيلة فترة الإضراب (مروان بو حيدر)

وفق الأستاذ في كلية الآداب، كامل صالح، تعيش رابطة الأساتذة حالة عجز، إذ «فقدت هيبتها ومصداقيتها أمام الطلاب والرأي العام، لا سيّما عندما كانت تعلن الإضراب وتتراجع عنه من دون تحقيق مكاسب حقيقية، بل إن فك التوقف القسري أتى قبل أسبوع من دخول الحكومة تصريف الأعمال من دون أن نفهم السبب». ويلفت إلى أن الأساتذة «لا يجدون من يتضافر معهم، بسبب غياب التضامن بين مكوّناتهم أصلاً (أساتذة ملاك، متفرغين، ومتعاقدين)، إذ لكلّ مكوّن مطالبه الخاصة» مستغرباً ضغط الرابطة لفك الإضراب «رغم أن كلّ الحلول المقدمة ترقيعية ولا تقدم أي تصوّر مستدام للأساتذة».

«الإضراب مطلب السلطة»
في المقابل، يرى أساتذة آخرون أن «الاستمرار في الشكل الأحادي للعمل النقابي، أي الإضراب، هو أشبه بالصرخة في واد». تقرّ الأستاذة في كلية الإعلام، وفاء أبو شقرا، أنها أول من خرق الإضراب الأخير، لأنها توصلت إلى قناعة بأن «الإضراب ليس الوسيلة الناجعة لنيل الحقوق وهو مضيعة للوقت، كما أنه يخدم السلطة التي يناسبها أن تستمرّ الصورة النمطية السلبية عن الجامعة وصولاً إلى خرابها». برأيها «الرابطة توفيت وتحنّطت وتحتاج إلى حلّ وإعادة تكوين نظامها وآلية انتخابها من جديد»، مستغربة كيف تكون إدارة الجامعة متقدّمة في طروحاتها على الهيئة النقابية.
في إضراب العام 2019، كان رئيس قسم المسرح والسينما والتلفزيون، وليد دكروب، مندوباً في رابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة، وراهن يومها على إمكان إحداث تغيير في العمل النقابي، وقد «أعطتني اللحظة التي نقض فيها مجلس المندوبين قرار الهيئة التنفيذية بفك الإضراب جرعة أمل، لكن إعادة تعليقه بتسوية قضت عليها، ومنذ ذلك الحين، فقدت الثقة بكلّ شيء، فقرّرت الانسحاب من المكان الذي يهدر طاقتي عالفاضي». لم يلتزم دكروب الإضراب الأخير «لأنه لم يعنِ لي شيئاً، واعتبرت أن توقيته غير مناسب وبلا أفق في نهاية العام الدراسي». يوضح أنّه من الأساتذة الذين خرقوا الإضراب ليس من باب تأمين مصلحة الطلاب فحسب، إنما «أيضاً لمصلحتي الشخصية، إذ كنا قد قطعنا شوطاً كبيراً في الأعمال الأكاديمية ولم نكن قادرين على العودة إلى المربع الأول». لا يدّعي دكروب أنه يملك الحل، لكنه يبدو متيقناً بأن العمل النقابي لا يمكن أن يسير على هذا النحو، من دون أن يخفي أنه ينتظر كغيره فرصته خارج لبنان.

حلواني: إنجازات الإضراب
رفضت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين التصويت في الهيئة العامة للأساتذة على مصير الإضراب، إذ أعلن رئيسها عامر الحلواني أنه سيجري الاحتكام للجمعيات العمومية في الكليات. إلا أن الهيئة لم تدعِ، بحسب حلواني، حتى تاريخه لأي جمعية سواء في المركز أو في المحافظات، وإن عقدت جمعيات في بعض الكليات بدعوة من مندوبين، وهي دعوة مخالفة للقانون، واتخذت قرارات بفك الإضراب.
يقرّ حلواني أن الإضراب الأخير أدى القسط المطلوب منه ولم يعد مجدياً «إذ تمكنا من الاستحصال على التقديمات التي أعطيت للقطاع العام، إضافة إلى 500 مليار ليرة للمصاريف التشغيلية و50 ملياراً لصندوق التعاضد، وكان يمكن أن نُحرم منها بحجة أن الجامعة مؤسسة عامة مستقلة. وأتى ذلك بعد ضغط كبير تمثل بعقد مؤتمرات صحافية وتنظيم نحو 20 اعتصاماً خلال سنة واحدة، حيث لم تبالِ السلطة بالجامعة وملفاتها الحيوية وعرقلت ملف التفرغ بربطه بتعيين العمداء». أما بالنسبة إلى ما حصل في الهيئة العامة، فيوضح حلواني أن توجه الرابطة كان لفك الإضراب، إلا أن أجواء الأساتذة كانت تميل للاستمرار فيه، ولم نعرض المسألة على التصويت لأننا في حالة إضراب في الأساس.

اعتراض من الداخل
في هذه الأثناء، ظهرت أصوات معترضة داخل الرابطة تُرجمت باستقالة عضو الهيئة التنفيذية نجاد عبد الصمد من الهيئة التنفيذية، من دون أن تقبل حتى الآن. إلا أن عبد الصمد مصرّ على موقفه، باعتبار أن «الغضب والقهر كبيران في صفوف الأساتذة، والرابطة وُجدت لتحميهم وتكون نبضهم وليس لإرضاء ربّ العمل أو السلطة. وما حدث في الهيئة العامة هو ضرب لغاية العمل النقابي وهدفه».
فشلت رابطة الأساتذة في تحقيق توجهها نحو فك الإضراب


عضو الهيئة التنفيذية، ماهر الرافعي، رأى هو الآخر أن «العمل النقابي هو أساس وجود الجامعة اللبنانية وهي ستنتهي بانتهائه. وكان على الرابطة أن تتصدّى لسياسة إضعاف الجامعة». محذّراً من تدمير الجامعة بعد فقدان الأساتذة ولاءهم لها وبحثهم عن مورد آخر، وهو تحذير يلاقيه فيه رئيس الرابطة.

القبول بـ«الفتافيت»
رغم أن الأساتذة على انتماءاتهم الفكرية باتوا، وسط الانهيار، أكثر ميلاً للمواجهة وأقلّ ارتباطاً بمرجعياتهم السياسية، فإن استقلالية رئيس الجامعة والرابطة عن السلطة معدومة، بحسب الأستاذ المتقاعد النقابي حسان حمدان، بالتالي هناك ميل لقبول ما يعطى مع وعي عام بأنه لا يمكن أن نحقق أكثر في ظلّ هذا الواقع. ويلفت إلى أن اعتماد خيار «الشحادة» والتوسّل قضى على شخصية الجامعة التي يفترض أنها ذات طابع مستقلّ.
«العمل النقابي بات هزيلاً لدرجة أن خرقه من الرئيس والعمداء يحدث بسهولة وبلا أي مواجهة من الرابطة»، يقول الرئيس السابق للهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة، ومؤسس تجمّع «جامعيون مستقلون من أجل الوطن»، يوسف ضاهر. كان على الهيئة، بحسب ضاهر، أن تحتكم لنبض الأساتذة وأن تطرح مصير الإضراب على التصويت، داعياً إياها إلى النضال من أجل إحياء مجلس الجامعة قبل التفرّغ والملاك، واسترجاع 52 مليون دولار، هي حقوق الجامعة من عائدات الـPCR، وخصوصاً إذا عرفنا أن مليون دولار ونصف تكفي لتركيب طاقة شمسية لكلّ كليات الجامعة ومجمعاتها.