«يا ربّ تأخذ أمانتك وأنت راضٍ عني من المغسل للتربة ما بدي تقّل على حدا». أمنية تردّدها يومياً سميرة جابر لدى خلودها إلى النوم. بلغ اليأس حدّه الأقصى لدى المرأة السبعينية التي انتشر السرطان في أنحاء جسدها، بعد انقطاعها قسراً عن أخذ جرعات العلاج الكيميائي لأكثر من عامين، وعجزها عن تأمين بقية أدويتها المزمنة والمسكّنة لأوجاعها. منذ أكثر من ثلاثين عاماً، تعايش جابر المرض الخبيث الذي بدأ في أحد ثدييها، وما لبث أن انتقل بعد ست سنوات من ذلك التاريخ، إلى عظامها ورئتيها، واليوم في أمعائها. تشعر جابر غالباً بالعجز عن المشي وخدمة نفسها بنفسها، فتستعين بحفيدتها مؤقتاً في منزل ابنها الوحيد في النبطية لمساعدتها. وفي بيروت، يجتمع حولها جيرانها لتأمين الطعام وباقي الخدمات اليومية. وعلى الرغم من تعبها الشديد، وشحوب وجهها ونحول جسدها، ترى «أم حمادة»، التي امتهنت التمريض لسنوات طوال، تحمل حقيبتها الصغيرة التي تحتوي على الحقن وعلى آلتَيْ قياس الحرارة والضغط، وتخرج من بيتها لتلبي أحد جيرانها الذي استغاث بها لمعاينة أحد المرضى، متكبّدة عناء نزول الدرج وصعوده بسبب الانقطاع الدائم للكهرباء.
عندما تتحدث مع المرأة السبعينية، التي أنهكها المرض اليوم، بسبب فقدان أدوية السرطان، ووجودها في بلد يتفرّج على مرضاه يذبلون أمامه إلى حين موتهم، تكرّر أمامك أسماء الأدوية الدائمة التي ترافقها على الدوام. أدوية للضغط، وأخرى تساعد على تسكين الأوجاع وللعظم والرئتين. تحفظ أسعارها التي ارتفعت بشكل جنوني، وتقارنها بأسعارها قبيل الانهيار الاقتصادي، إضافة إلى أدوية أخرى تعجز اليوم عن تأمينها، من بينها الفيتامينات التي أصبحت بلا أيّ دعم ولو جزئياً للدواء، وتحتاج حالتها الصحية إليها، خاصة العظام (أكثر من 300 ألف للعلبة الواحدة)، إلى جانب كلفة الوصفة الطبية الملزمة التي تجريها كل ستة أشهر لشراء الأدوية من الصيدلية.
قبل ثلاثة أشهر، أطلّت سميرة جابر على إحدى شاشات التلفزة المحلية، طالبة مساعدتها في تأمين كلفة العلاج الكيميائي وباقي أدويتها الدائمة، لكن إلى اليوم لم تلقَ صرختها أيّ استجابة تُذكر. وزاد يأسها أكثر بعدما قال لها طبيبها: «أمّني العلاج وتعي». اليوم، باتت سميرة تجد صعوبة في تلبية احتياجاتها اليومية، حتى وصل بها الحال إلى أن تحبو لتلتقط أشياءها المحيطة بها، وتجهد للكلام بسبب ضيق التنفّس بعد إصابة رئتيها. تنهي حديثها معنا، بالتمني أن ترحل عن هذه الدنيا «وصلوني على التربة لريّح وأرتاح»، وكي لا تشكل عبئاً على أحد «بني آدم تقيل وصعب»!