25 عاماً وشريط قرى غربي بعلبك، بدءاً من بلدة طاريا شمالاً وحتى بلدة تمنين الفوقا ونيحا جنوباً، تنتظر بفارغ الصبر الانتهاء من الأشغال في محطة تكرير الصرف الصحي في سهل بلدة تمنين التحتا، المموّل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 29 مليون دولار أميركي، ومبلغ ثلاثة مليارات و665 مليون ليرة بدل استملاك عقارات. بعد بدء الأشغال الإسمنتية منذ سنتين، وتشييد عدة أحواض للصرف الصحي مع غرف إدارية، توقف العمل منذ أسابيع بشكل شبه تام في المشروع، ليس بسبب دعوى الاعتراض على الاستملاك من قبل أصحاب العقارات المجاورة للمحطة، وإنما بسبب تقاعس الدولة ممثلة بوزارة المالية ورئاسة مجلس الوزراء وحاكمية مصرف لبنان عن دفع أقساط القروض لصناديق التمويل. التأخير في الدفع لن يقتصر على إيقاف الأشغال في محطة تكرير تمنين التحتا فقط، وإنما سيطال مشاريع أخرى في كلّ من عكار والشوف والجنوب.

تراجع عن دفع نصف المستحقات
المهندس المشرف على مشروع محطة تكرير الصرف الصحي عبدو سكرية أكد لـ«الأخبار» تعثّر الدولة اللبنانية في دفع أقساط القروض للصناديق المموّلة لعدد كبير من المشاريع الحيوية في لبنان، كاشفاً أن «وزير المال يوسف خليل تقدّم في أحد اجتماعات مجلس الوزراء، قبل الانتخابات النيابية، بطلب دفع مستحقات الصناديق المموّلة من الخارج لمشاريع تنموية قيد التنفيذ وقد رُفض طلبه بذريعة عدم توفر الأموال، وعدم التفريط بالدفع من حصة لبنان من صندوق النقد الدولي والبالغة مليار و300 مليون دولار على اعتبار أن الأولوية للطحين والدواء ودعم الأسر الفقيرة والأجهزة الأمنية». ويُشير سكرية إلى أنه تم لاحقاً «الاتفاق على دفع نصف المستحقات مع التفاوض على إعادة الجدولة، إلا أنّ الدولة لم تلتزم حتى بالاتفاق الذي يقضي بدفع نصف المستحقات، وتم العمل على تقسيط الدفعات بقيمة عشرة مليارات دولار من أصل 47 مليون دولار، ما دفع بالصناديق المموّلة إلى الامتناع عن دفع الكشوفات المالية للمتعهدين والاستشاريين، فنتج من ذلك توقف للأشغال في المشاريع بانتظار المفاوضات».
تجدر الإشارة إلى أن استيفاء القروض، يتم خلال فترات زمنية متفق عليها كبرتوكولات موقّعة بين تلك الصناديق وبين الدولة اللبنانية، وفق جدولة محدّدة وفترات زمنية تدفع فيها الدولة الأقساط المستحقة كلّ ستة أشهر أو سنة بحسب المدة الزمنية المحدّدة للمشاريع وتاريخ إنجازها وتسليمها. المهندس سكرية أوضح لـ«الأخبار» أن مشروع محطة تكرير الصرف الصحي في تمنين التحتا بلغت قيمة تمويل إنشاءاته الإسمنتية 29 مليون دولار، دفع منها 20 مليون دولار في حين توقف المشروع حالياً بسبب 9 ملايين دولار (7 ملايين دولار للأشغال الميكانيكية ومليوني دولار لإنجاز الأشغال الإسمنتية)، كاشفاً أن التأخير في الدفع من قبل الدولة سينعكس على موعد تنفيذ المشروع وتسليمه، وسيزيد من الكلفة لإنجازه، وبالتالي يفاقم تردي الوضع البيئي».
وعلمت «الأخبار» أن الصناديق المموّلة للمشاريع في لبنان هي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (يستحق له وحده نصف المبالغ المطلوب دفعها من قبل الدولة)، والصندوق الكويتي للتنمية العربية، والبنك الإسلامي للتنمية، وقد وصلت مستحقاتهما حتى تاريخ 30 حزيران الفائت إلى 92 مليون دولار.

مشاريع متوقفة
نقيب المقاولين مارون حلو اعتبر من جهته أن «القرار السياسي والإداري بالدفع اتخذ، ولكن التنفيذ يسير بوتيرة بطيئة جداً لعدم وجود إمكانات للدفع من قبل وزارة المالية، وتحديداً من الاحتياطي، خصوصاً أن مصادر التمويل من البنك الدولي لديها أولوية للوضع الاقتصادي والمعيشي»، موضحاً أن التأنّي في الدفع «خطير جداً» على مستوى الوطن بأكمله، ذلك أن 90% من المشاريع والأشغال المموّلة متوقفة وهي ذات أهمية كبيرة، سواء على المستوى الصحي أو البيئي أو الخدماتي، وفي سائر المناطق من الشمال إلى الجنوب، وكلّ ذلك سيكون له تأثير على المدى الطويل لجهة تمويل الجهات المانحة، والتي يحتاجها لبنان في المراحل القادمة من دعم مالي واقتصادي».
90% من المشاريع والأشغال المموّلة متوقّفة رغم أهميتها التنموية


من ضمن المشاريع التي توقف العمل بها مشروع «قناة 800» أو ما يعرف بمشروع «الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح» لنقل مياه الليطاني إلى الجنوب لأغراض الريّ والشرب. أكّد رئيس مجلس إدارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الدكتور سامي علوية لـ«الأخبار» أنه تقدّم بكتاب خطي إلى وزير المالية «للتحذير من خطورة تعثر وزارة المالية في تسديد مستحقات قروض الصناديق والمؤسسات العربية والدولية بالعملات الأجنبية ومنها مشروع قناة 800»، لأن الأمر سيؤدي إلى «إهلاك الأقسام قيد التنفيذ من المشروع، وغير المستلمة من قبل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وإلى التعدي على الأملاك العامة وسرقة التجهيزات والمنشآت واستحالة إعادة استكمالها، وهدر الأموال العامة وهدر التمويل الذي أُنفق على المشروع واستملاكاته». وكشف علوية أن وزير المال وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومجلس الوزراء اتخذوا قراراً بعد جدل قانوني طويل بالدفع من الاحتياطي، ليتراجعوا عن قرارهم ويتخذوا قراراً آخر بالدفع من حقوق السحب الخاصة SDR، ومن ثم قرّروا الدفع بالتقسيط وهو ما وافقت عليه الصناديق المموّلة، لتعود المنظومة ذاتها وتغيّر القرار إلى تقسيط التقسيط بنسبة 50%، وهذا كله لن يعود على لبنان إلا بالخسائر الهائلة»، متسائلاً: «كيف يريد لبنان أن يستدين من البنك الدولي وهو لا يلتزم بسداد ديونه وإظهار قدرته على الالتزام بالتسديد؟».