مثلما كانت هناك طلقة أولى في مسار المقاومة العسكري، كانت هناك نغمة أولى في مسارها الفني. لم تكن أياماً عادية تلك التي عاشتها الضاحية الجنوبية لبيروت أوائل ثمانينيات القرن الماضي، على مختلف المستويات. من قلب الحصار الإسرائيلي، كانت نواة مقاومة تتأسّس، يؤمن عناصرها بقدرتهم على صناعة الفارق في عالم اتّخذ طريق الهزيمة.
تسلّح الشبّان بمعنويات عالية وبروحية مرتفعة غذّتها الصلاة والأدعية؛ وشكّلت «اللطمية الحسينية» الشكل الفني الوحيد الذي شحذ هممهم وقوَّى عزيمتهم في حينه. كانت «اللطمية» حائزة على شرعيتها، فيما الأناشيد والموسيقى المرافقة لها لا تزال في خانة «التابوهات». لذا يصف الشاعر أنور نجم، والملحن نبيل عساف، قيامهما بتأسيس «فرقة الولاية» بـ«المغامرة الكبيرة». يروي الرجلان أن الفرقة احتضنت في بداياتها كلاً من الشهيد مرعي مرعي، نبيل عساف، محمد عساف، حسين عسيلي، عطالله شعيتو، حسن عطية، الشاعر أنور نجم، المخرج عبد الكريم خشاب، مهندس الصوت ضامن ضامن وعازف الكلارينت كلاس كلاس. وقد انطلقت بإمكانات فنية متواضعة على مستوى الآلات: أورغ وطنبور وثلاثة «رواديد» وبدأ العمل.

رعاية السيّد عباس
بعد التأسيس، بدأ البحث عن مرجعية دينية تدعم الفرقة في مواجهة ما قد ينتظرها من ردّات فعل شعبية أو قيادية معترضة على دخول النشيد والموسيقى إلى حياتهم اليومية. وكان أول من وقف إلى جانبهم الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي. اجتمعوا به وشرحوا له فكرتهم، وحصلوا منه على «وقاء شرعي» نجحوا بعده في العمل بأريحية. كتب نجم ولحَّن الأخوان عساف وانتشرت أناشيد «يا جيوش الحق»، و«امض ودمّر»، و«لا لن نركع»، التي كانت باكورة أعمالهم.
لم تحمل الأناشيد الأولى كلمة «حزب الله». وفي إحدى ليالي عام 1985، خرج نجم وقريباه المهندسان نبيل ومحمد عساف، بعد الهدوء النسبي للمعارك، للتجوّل ليلاً في شوارع بئر العبد. وخلال سيرهم، ألَّفوا نشيداً جديداً تحوّل في ما بعد إلى «نشيد حزب الله الرسمي». يذكر نجم أنهم فور عودتهم إلى المنزل ذلك المساء انكبوا على كتابة ما ردّدوه خلال سيرهم، وانضمّ إليهم كلّ من خشاب وضامن، لينتهي مع ساعات الفجر الأولى، وضع كلمات النشيد ولحنه.

موافقة السيّد حسن
كان نشيداً مماثلاً لأيّ نشيد في تلك الحقبة، وقُدّم أوّل مرة في احتفال أقيم في باحة «الإمداد» في بئر العبد. لاقى تجاوباً جماهيرياً لافتاً، حتى إنّه تردّد على مسامع الجميع ثلاث مرات في الحفل نفسه، ما لفت نظر قيادة الحزب ورأت أن لحنه يصلح لأن يكون نشيداً رسمياً على أن تتغيّر الكلمات.
أُنشد أوّل مرة في باحة الإمداد في بئر العبد ولاقى تجاوباً جماهيرياً لافتاً


كتب نجم نصاً مختلفاً تماماً، لكنه ثبّت اللازمة التي ردّدها الجمهور «ألا إنّ حزب الله هم الغالبون». وكان السيّد حسن نصرالله، مسؤول منطقة بيروت وقتها، هو من أعطى المباركة والموافقة.
سُجّل النشيد وعُزف مرات ومرات في احتفالات مختلفة، وشارك الشهيد عماد مغنية في إنشاده، إلى أن ثُبِّت في عام 1993 كنشيد رسمي. قبل ذلك، وبعده، ساهمت إذاعة «النور»، و«صوت المستضعفين» في الترويج له ونشره، وانضمت قناة «المنار» إليهما بعد عام الـ1991.

تجديد الأناشيد الأولى
واصلت الفرقة عملها، وكان أشهر أعمالها «الشعب استيقظ يا عباس» الذي تلا استشهاده في عام 1992، ثم توقفت الفرقة عن العمل في عام 1995، لتعود قبل عامين مع مشروع إحياء الأناشيد القديمة التي سُجّلت سابقاً في ظروف فنية «متواضعة» من خلال إعادة تسجيلها وتجديدها بشكل محترف يضمن استمرارها للأجيال المقبلة. «هكذا يمكننا أن نحفظ هذا التاريخ وهذا الإرث ليبقيا في الذاكرة»، خصوصاً أن بعض تسجيلات الأناشيد القديمة ضعيفة تقنياً وبات يصعب بثّها على الإذاعات أو القنوات، حسب عساف. بالفعل، تمّ تجديد تسجيل 8 أناشيد، وإعادة التوزيع الموسيقي لبعضها، لتصدر تحت عنوان «القدس أقرب».
اليوم، ومع «أربعينية» حزب الله، تمّ تجديد نشيد «حزب الله» بتوزيع جديد مختلف، عزفته فرقة عالمية خارج لبنان، ترافقها 80 آلة موسيقية، وإنشاد «كورال» ضخم، شارك فيه العديد من المنشدين القدامى الذين ساهموا في أناشيد المقاومة منذ الطلقات الأولى.
يؤكد عساف أن التوزيع الجديد، يختلف عن التوزيع الكلاسيكي القديم الذي «يمكن أن يتشابه مع نشيد آخر». أما الجديد فهو بمستوى يليق بهذه المرحلة التي وصل إليها حزب الله في أربعينيّته.