يطغى الهدوء على شوارع مار مخايل والجميزة نهاراً. الأعمال شبه متوقّفة. نُظّفت الشوارع، لكنّ آثار الانفجار لا تزال حاضرة في أكوام الركام المتجمّع في بعض الزواريب والتقاطعات وخلف المباني التي سُوّيت أرضاً، كما في الدعائم القائمة لترميم وتأهيل ما بقي منها صامداً... وعلى الوجوه التي يجثم عليها وجوم ذلك اليوم. بعضهم يرفض الحديث للصحافة ولأيّ كان، فكلّ الكلام عبث لا طائل منه. العم مخايل الجالس داخل محله المقطوع من الكهرباء أحدهم. لدى سؤاله عما حصل عليه من تعويضات يوجز الحديث: "أيّ تعويضات وأيّ دمار. مش المحل اللي تدمر، أنا تدمّرت".
دفعات لم تأتِ
الملامح اليائسة لا تخطئها العين. تجلس غادة يوسف مع صديقتها سهام تكيان في محل السمانة الذي يخصّ الأخيرة. بعد سنتين من عمر الانفجار لا يزال بيت غادة مكسّراً. مبلغ الـ10 ملايين ليرة الذي تلقّته من الجيش تعويضاً عن الأضرار التي وقعت في شقتها بالكاد كان كافياً لصيانة الأبواب والنوافذ المخلّعة "عفشي كلّه ممزق وأحتاج إلى ثلاجة وفرن غاز. بعدما قبضت أول دفعة، طلب مني الجيش ألا أقلق لأن ثمة دفعات أخرى، لم تأت حتى اليوم". زار منزل غادة أكثر من جمعية تولّت توزيع المساعدات العينية والمادية "كلهم أخذوا البيانات وصوّروا المنزل وذهبوا مع الريح". أما سهام التي نجت بأعجوبة من موت محقق، فإنها تعيش مع كسور وجروح عميقة استدعت غرز براغ وأسياخ لتدعم حركتها "جاء الجيش، سجّل المعلومات وخمّن الأضرار ولم أقبض إلى الآن، لأن الأولوية كما أخبروني هي للبيوت، رغم أن هذا المحل هو سبب معاشي ولولا بعض الأصحاب الذين علموا بوضعي وساعدوني لما كنت عرفت ما هو مصيري".

حركة تجارية متوقّفة
يطلب ادوارد حاتشريان صاحب محل رافهكو لأدوات التبريد والتكييف الذي دُمّر جراء الانفجار أن ننتظر كلّ النهار لنتأكد من أن لا حركة تجارية هنا. "أبيع بضاعة للتبريد ولا أستطيع الاشتراك في المولّد بسبب توقف الأعمال". جاء الانفجار "زيت على زيتون" في ظلّ الأزمة. يقدّر حاتشريان خسائر محله بنحو 50 ألف دولار، وساعدته جمعية كاريتاس بتسوية السقف وتدعيمه، "لولا أولادي في الخارج لكنت تبهدلت في آخر أيامي".
جوزيف صليبا دمّر له الانفجار أربعة بيوت في مار مخايل. عوّضه الجيش عن منزل واحد بقيمة 14 مليون ليرة "مبلغ أصلحت به بعض الشبابيك، لديّ محل هو الآخر دُمر وما تبقّى من بضاعة سُرق ولم أُعوّض".

لا أموال
تؤكد مصادر خاصة في الجيش، مسؤولة عن خطة توزيع التعويضات، أن خطة التعويضات لا تزال قائمة وحقوق الناس محفوظة، لكنّ الحقيقة "لا يوجد مصاري".
توضح المصادر أنه، وفق القانون 194 لسنة 2020 الرامي إلى حماية المناطق المتضرّرة جرّاء انفجار المرفأ، أقرّت الدولة قيمة تعويضات تبعاً للمسح الذي قام به الجيش بمبلغ 1500 مليار ليرة. ما وصل من مجمل المبلغ إلى خزينة الجيش هو 150 ملياراً في المرحلة الأولى، وُزّعت على دفعتين ابتداءً من 26 تشرين الأول 2020 أي بعد نحو 3 أشهر من وقوع الانفجار. ومن ثم كانت دفعة 50 مليار ليرة إلى خزينة الجيش بتاريخ 12 شباط 2021، وثالثة بقيمة 50 ملياراً في منتصف الشهر الأول من العام الجاري ليصبح المبلغ الإجمالي 200 مليار ليرة منذ بداية التوزيع، أي ما نسبته 13% من قيمة الأضرار، وقد توزّعت على 27 ألف و350 وحدة سكنية مصنّفة.
ما وصل إلى خزينة الجيش هو 200 مليار من أصل 1500


كانت الأولوية في توزيع المبالغ للوحدات السكنية الأكثر تضرّراً، أي الواقعة ضمن نطاق 2.5 كيلومتر من موقع الانفجار. وتحديداً كان القرار بالتعويض لمساعدة الناس على ترميم الأضرار الأكثر إلحاحاً، التي تجعل المنزل من دونها غير قابل للعيش أي التي تحتاج إلى إنشاءات (أي نوافذ وأبواب)، لأن مبلغ 100 مليار ليرة في المرحلة الأولى لا يكفي جميع الوحدات السكنية المتضرّرة. وهكذا تُركت البيوت التي دُمّرت بالكامل على عهدة محافظة بلدية بيروت أو الجمعيات، التي تقول مصادر الجيش نفسها إنها اكتشفت أن بعضها جمعيات وهمية.
كما أكّدت المصادر أنها قاطعت الداتا لديها مع داتا الجمعيات التي ساهمت في إعادة التأهيل والترميم من مختلف الجمعيات الدولية والمحلية ولهذا "أن من تلقّى دعماً من جمعية لا ينال تعويض الجيش، ليستطيع التعويض على من لم ينل أيّ مساعدة، على أن يبقى حق الناس محفوظاً حتى تأتي الأموال من جديد إلى خزينة الجيش".