لم يلحظ بعض أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت أيّ خلافات أو تباينات في وجهات النظر قبل 14 تشرين الثاني 2021. كانت «مجزرة الطيونة» يوماً مفصلياً في تاريخ حراكهم. فاجأتهم «بسقوط الأقنعة» يقول طرف، فيما يرى طرف آخر أنها لم تكن «قصة رمانة بل قلوب مليانة».قبل أن ينقسموا، «كنا متّفقين على كلّ شيء»، يكرّر إبراهيم حطيط، شقيق الضحية ثروت حطيط. الناطق الرسمي باسم أهالي الضحايا سابقاً، ثم رئيس «اللجنة التأسيسية لتجمّع أهالي شهداء وجرحى ومتضرّري انفجار مرفأ بيروت» حالياً. تؤيد سامية عيدو، زوجة الشهيد محمد دوغان، كلامه قائلة: «كنا يداً واحدة فعلاً ولم نسمح لأحد من السياسيين بالدخول بيننا». حتى ريما الزاهد، شقيقة الضحية أمين الزاهد، التي تخالف حطيط في مواقفه، تشير إلى أنه «لم يكن هناك أيّ ملاحظات على علاقة الأهالي في ما بينهم»، وتصف تصرّف حطيط «بالانقلاب».
لرئيسة جمعية أهالي ضحايا الانفجار ماريانا فودوليان، شقيقة الضحية غايا فودوليان، رأي مخالف. تتحدّث عن سوء في العلاقة وُلد قبل الانقسام، لكنه لم يخرج إلى النور. «أول صدام بيننا حصل في آب العام الماضي عندما طالب حطيط القاضي بيطار بالتقرير الفني، فرددت عليه بأن التقرير يصدر مع القرار الظني، وصارحته أن ما يقوم به يُعدّ تدخلاً في التحقيق. قلتُ له حرفياً: إنت بدك تطيّر القاضي. بعدها بدأنا نتلمّس تفرّده في الملف وعدم إشراكنا في كتابة البيانات، وكلما سألناه عن السبب يجيب: ألا تثقون بي؟ ثم أصرّ على انتقاد القاضي متهماً إياه بالاستنسابية وهذا ما عارضناه في لقاءاتنا، وما أثار شكوكنا». هنا ظهرت التباينات في المواقف، وصولاً إلى الأيام الثلاثة التي سبقت أحداث الطيونة عندما «أتى حطيط إلى مركز الجمعية شارداً وصارحني بخوفه من أن تفرط سبحة الأهالي، سألته عن السبب فلم يجب».
اليوم، انقسام الأهالي تعدّى كونه اختلافاً في وجهات النظر من القاضي، كبر الشرخ بين الطرفين. ترفض فودوليان مقابلة تجمعها بحطيط مثلاً، وينقل الأخير ما حصل معه بعد إحدى الوقفات: «اتصل بي والد ضحية رافضاً رفع صورة ابنته بين صور الضحايا».

سوسة التسييس
قبل «مجزرة الطيونة» كانت سوسة التسييس تنخر في جسم هذا التجمّع. حصلت خروق عدة لتفرقة الأهالي. مثلاً، في 28 أيلول2021، وخلال تظاهرة نفّذها أهالي الضحايا وعشرات الناشطين على خلفية كفّ يد قاضي التحقيق في ملف التفجير طارق بيطار مؤقّتاً، حاولت مجموعة من المتظاهرين انتهاز فرصة التظاهرة لتوجيه رسائل سياسية، فرفعوت شعارات وهتافات ضدّ حزب الله. هذا التصرّف أثار غضب بعض الأهالي الذين انسحبوا فيما تابعت مجموعة ثانية التظاهرة، وكانت المرة الأولى التي ينقسم فيها الأهالي بهذا الشكل، ثم استطاعوا بعدها «لفلفة الموضوع».
سامية عيدو تؤكد وجود الانقسام، كما الاستغلال السياسي لتحرّكاتهم، لذا توقفت عن المشاركة فيها قبل ثلاثة أشهر من إعلان الفراق النهائي.
هذا الفراق حصل في 14 تشرين الثاني 2021، تاريخ التظاهرة الاحتجاجية على إدارة ملف التحقيقات في تفجير المرفأ عند قصر العدل، والتي تحوّلت إلى اشتباكات راح ضحيتها 7 شهداء، «ما كان فيني ضلّ ساكت بعدما حصل في الطيونة، تخوّفت من الوصول إلى حرب أهلية»، يقول حطيط.

فيديو حطيط «القنبلة»
بعد يوم من وقوع «مجزرة الطيونة» سجّل حطيط فيديو أشبه بـ«قنبلة موقوتة» هاجم فيه القاضي بيطار واتهمه «بالتسييس والاستنسابية» وصولاً إلى تحميله مسؤولية سفك الدماء في الطيونة. ولأول مرة، ومن دون استشارة أهالي الضحايا، طالبه بالتنحّي. يبرّر حطيط «انشقاقه» بتفضيل «العقلانية على العاطفة». نسأله عن سبب تغيير موقفه من بيطار فجأة، فيجيب: «لم يكن بإمكاننا تعليق آمال على بيطار من دون دعمه، إلا أنّ ذلك لا ينفي أنني استنكرت أسلوبه الانتقائي في الاستدعاءات». ويؤكد أنه نقل «هواجسه» إلى أهالي الضحايا الذين «أيّدوا وجهة نظري» لكنهم أجمعوا على ضرورة «ترك القاضي على راحته وعدم ممارسة ضغوطات عليه».
حصل الانقسام العلني بعد «أحداث الطيونة» وسقوط 7 شهداء


ويروي أنه «بعد يوم على أحداث الطيونة، اتصلت بالقاضي بيطار وشكوت له سقوط دماء بسبب قضيتنا. عبّر عن انزعاجه لما آلت إليه الأمور. فصارحته بحزم: «متى تستدعي الآخرين وتريحنا من قصة الاستنسابية التي نُتهم بها». فكان الردّ حرفياً «منكون عالقين مع هؤلاء ونصير علقانين مع الطرف الثاني»! يسخر حطيط: «هل هذا جواب قاضٍ عادل يستند إلى القانون أم جواب سياسي»!

الانقسام
بعد أحداث الطيونة «فلت الملق»، على حد تعبير حطيط. عقدت مجموعة من الأهالي مؤتمراً صحافياً على خلفية فيديو حطيط، أكدت خلاله أنه لا يمثلهم وألغوا عضويته وعضوية آخر في جمعية أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت. فأسّس حطيط «اللجنة التأسيسية لعوائل تفجير مرفأ بيروت»، التي ضمّت عوائل 33 ضحية وأصبحت لاحقاً «اللجنة التأسيسية لتجمّع أهالي شهداء وجرحى ومتضرّري انفجار مرفأ بيروت». وفي 4 تشرين الثاني2021 أقيمت وقفتان لإحياء الذكرى الشهرية للانفجار، الأولى عند تمثال المغترب، والثانية عند البوابة الرقم ثلاثة.
إلى جانب الجمعية واللجنة، هناك تجمّع لأهالي ضحايا فوج الإطفاء منفصل أساساً عن تجمع أهالي الضحايا المدنيين وتجمع لبول وترايسي نجار، والدي الطفلة ألكسندرا نجار، اللذين «لم ينضما إلى تجمع الأهالي بسبب الشروط التي وضعاها ورفضناها»، بحسب حطيط، إلا أن «الأخير راح يشكك في نواياهما لذا لم يرضَ بانضمامهما»، كما تنقل فودوليان. حاولنا التواصل مع نجار للسؤال عن دوافعه لتأسيس تجمّع على حدة، فلم يردّ على اتصالاتنا. الجدير بالملاحظة هو التفاف تجمّع أهالي فوج الإطفاء وتجمّع والدَي الضحية نجار على جمعية أهالي الضحايا بعد هذه التغيرات، ومشاركتهما بشكل أوسع في تحركاتها. رغم ذلك، يعترف بعضهم أن الانقسام يُضعفهم، ويمكن تصديق ذلك من خلال اختفاء تحرّكات الأهالي شيئاً فشيئاً ومشاركة خجولة عند تنظيمها مع الاكتفاء بالوقفات الشهرية عند المرفأ.