تعرّض مربّو ماشية في جرد اليمونة ليل أمس إلى إطلاق نار، ما أدّى إلى نفوق خمسة أغنام. الحادثة وقعت في المشاعات الجردية للبلدة في محلة يُطلق عليها «طريق الشام»، وهي المنطقة المتنازع عليها ما بين بلدتَي اليمونة والعاقورة. إطلاق النار أعاد نكء الجرح العقاري ـ المشاعي القديم بين البلدتين المتجاورتين عقارياً، والمتنازع عليه بينهما وسط إصرار الطرفين على أحقيّة ملكيته لتلك المنطقة، إلّا أنّ هوية مطلقي النار «تاهت» بين بلديتَي اليمونة والعاقورة.
ورأى مختار بلدة اليمونة، جمال شريف، في الاعتداء الأخير «افتعالاً لمشكل تسعى إليه العاقورة في توقيت مشبوه، مع مشاعر الفائض من القوة التي خرج بها البعض بعد الانتخابات النيابية، وهذا المشكل لا يريدون من خلاله إلا استثماراً سياسياً، ولعباً على الوتر الطائفي والمناطقي». و كشف أنّ مطلقي النار «معروفون بالأسماء وهم من أبناء العاقورة. لكن بلدية اليمونة ومخاتيرها جهدت لإطفاء حالة الغضب لدى أبناء اليمونة وتهدئتهم، منعاً للانجرار باتجاه أتون الفتنة، والفخ الذي يريدوننا أن نقع فيه».

وحذّرت البلدية، في بيان، من «خطورة وتداعيات الحادثة المفتعلة في ظلّ وضع ضاغط وصعب تمرّ به البلاد»، معتبرةً أنّ «من أقدم على إطلاق النار ليس إلا عصابة فئوية فتنوية من بلدة العاقورة، هدفها إشعال الشرارة الأولى لحرب طائفية طاحنة».

وتواصلت «الأخبار» هاتفياً مع رئيس بلدية العاقورة، أسد الهاشم، (منصور وهبي تقدّم باستقالته منذ أيام قليلة من منصبه كرئيس للبلدية)، الذي نفى الرواية التي «تزجّ» العاقورة بما حصل ليل أمس من إطلاق نار على الرعيان، مشيراً إلى أنّ إطلاق النار حصل من شخص من آل زعيتر على الرعيان، وأنّ «لا علاقة للعاقوريين أو بلدية العاقورة بالحادثة، ومديرية المخابرات على علم بذلك».

بدوره، رأى رئيس بلدية اليمونة، طلال شريف، في اتصال مع «الأخبار» أنّ «محاولات افتعال المشكل والتنصّل والتستّر ورمي الفعل الجرمي على عائلات أخرى من خارج العاقورة لن تمرّ علينا، ولدينا اسم مطلق النار وهو من العاقورة واسمه ط. ن. ومديرية المخابرات أكدت ذلك، وكذلك مصادر من بلدة العاقورة نفسها، وحتى برواية الرعاة الذين أُطلق النار عليهم، فلماذا التلطّي خلف روايات مفبركة؟!».

النزاع القديم ـ الجديد بين البلدتين تعود حيثياته إلى ما يقرب من 20 في المئة من مساحة المشاعات التي تعتبرها اليمونة تابعة لها، في حين تشدّد العاقورة على أنّها تملكها بموجب قرار لجنة التحكيم المشاعية التي ترأسها القاضي عبدو أبو خير عام 1936 مع قائمقام بعلبك راشد طبارة والقاضي العقاري رفيق غزّاوي.

في المقابل، اعترض أهالي اليمونة على تقرير عبدو أبو خير «لوجود أخطاء عديدة فيه، ومنها على القرار الرقم 1040 الصادر عن الحاكم ترابو»، وأنّ هناك تقريراً صادراً عام 1954 عن اللجنة التي ترأسها شريف الحسيني بعضوية القاضي توفيق شربل والمهندسين زارا بغدراساريان ومحمد رعد، والذي نقض حكم لجنة أبو خير، باعتباره «قراراً مشوباً بأخطاء وعيوب فنية». الاعتراضات أثمرت عن إصدار الحكومات المتعاقبة 11 مرسوماً لتأليف لجان مهمتها تبيان العيوب واقتراح الحلول بين عامَي 1947و1955 وآخرها تقرير القاضي شريف الحسيني.

ابن بلدة اليمونة، فضل الله شريف، أكد لـ«الأخبار» أنّ مساحة المشاع المتنازع عليها تقع ضمن المجال الحيوي لليمونة، وتمّ الاتفاق على إنشاء منطقة على اعتبار أنّها من أملاك الدولة، وإعلان الحد الفاصل بين البلدتين، بحسب الوثائق العقارية القديمة والخرائط التفصيلية في وزارة الدفاع ومصلحة المساحة والقرارات المشاعية القديمة، من تلة رام الرأس ومفرق دوما، مروراً بطريق الوسط حتى تلة الرويس، غرباً لأهالي العاقورة وشرقاً لأهالي اليمونة. ويتابع شريف أنه بعد الصدامات التي حصلت، تدخّل الجيش وثبت اتفاق عام 1954، وأنّ الخطأ الحاصل في أن نظام المتصرفية والولاية سقط عندما أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير، وحينها كان يعتمد على الطريق الروماني القديم وقمم الجبال ومقلب المياه، من الضنية حتى ضهر البيدر، للفصل بين حدود القرى في السلسلة الغربية، «فلماذا يجري تغيير هذه القاعدة من قبل بلدية العاقورة؟!».

من جهته، شرح رئيس بلدية اليمونة أنّ المشكلة العقارية بين أهالي البلدتين أدّت إلى وقوع ضحايا من البلدتين، وبعدها استمر أهالي اليمونة باستثمار هذه الأرض عن طريق تلزيمها لرعي الماشية حتى تكرس الحد الفاصل مؤقتاً بين البلدتين من النقطة الوسطية للغرب التابعة للعاقورة، ومثلها للشرق لليمونة، وحرص على تنفيذ ذلك الجيش اللبناني بتمركزه في تلك النقطة الوسطية. وطالب شريف الدولة بالإسراع في معالجة المشكلة العقارية بتشكيل لجنة فنية عقارية محايدة من قضاة عادلين في الحكم، يراعون الحقوق للجميع دون مذهبة الخلاف العقاري.