في الفترة الفاصلة بين الموجة السابقة من فيروس «كورونا» والموجة المتوقّعة قريباً، دبّ التراخي بين الناس، وفي الأجهزة الرسمية، على إيقاع السير البطيء نسبياً لعدّاد الإصابات. انعكس ذلك استهتاراً لدى كثيرين بتلقّي لقاحاتهم أو استكمالها، إلى أن قُرع جرس الإنذار قبل أسابيع بعودة نشاط الفيروس إلى المربع الأول. هكذا، عاد التشدّد في قضية اللقاحات، إلى حد فرض لجنة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا اللقاح شرطاً لممارسة الناس حياتهم العامة في ظلّ «التجدّد» المستمر للفيروس وظهور متحوّرات جديدة والنسبة الخجولة للمناعة المجتمعية التي لم تتجاوز 40%. وإن كان رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا، عبد الرحمن البزري، يعتبرها «مقبولة»، لكونها تتماشى مع رؤية الأمم المتحدة، «وكان بإمكاننا أن نكون فوق نسبة الخمسين».يتوزع الملقّحون بين فئتين: الملقّحون بجرعة واحدة والملقّحون بجرعتين، قبل أن تضاف قبل أسابيع الجرعة الثالثة. بالأرقام، يبلغ عدد الفئة الأولى مليوناً و951 ألفاً و205 (39%)، والفئة الثانية مليوناً و711 ألفاً و772 (33,4%)، فيما لا يزال الملقّحون بالجرعة الثالثة أقلّية، لحداثة هذا الإجراء، ولا يتجاوز عددهم 155 ألفاًَ و648 لمن تخطّوا الخمسين.
واللافت في كل ذلك سيطرة «فايزر» على اللقاحات. السبب الظاهري هو توافر هذا اللقاح بكثرة إن عبر منصة «كوفاكس» أو من خلال الهبات، إذ وصل عدد الجرعات التي أعطيت للملقّحين منه إلى نحو 4 ملايين. إلا أن ثمة سبباً آخر يتعلق بخوف كثيرين من لقاح «أسترازينيكا» البريطاني، ما أدى إلى امتناعهم عن تلقّيه. وهذا، بحسب البزري، أحدث فجوة واضحة ضمن الفئة العمرية (30 - 50 عاماً) التي كان عليها تلقّي هذا اللقاح. وحتى بعد الحملات المتكررة لإعادة «الثقة» باللقاح، لم يصرف منه سوى 650 ألف جرعة (290 ألفاً لمن تلقّوا جرعتين و350 ألفاً لأصحاب الجرعة الواحدة). ولأنه لم يكن ثمة مجال «لفرض هذا اللقاح»، على ما يقول عضو اللجنة العلمية لفيروس كورونا، الدكتور محمد حيدر، كان الخيار بإتاحة لقاح «فايزر» لمن يرغب، بغض النظر عن الفئة العمرية.
الامتناع عن تلقّي لقاح «أسترازينيكا» البريطاني أحدث فجوة كبيرة في الفئة المستهدفة به


هذا الموقف «المتصلّب» من «أسترازينيكا» أرخى بثقله على عملية التلقيح التي سارت ببطء ضمن الفئة العمرية المستهدفة به، ما أثّر على العملية ككل. مع ذلك، ثمة أسباب أخرى يوردها البزري أدت إلى «إرباكات»، منها «البعد التاريخي» لعملية التلقيح التي كانت تنحصر في معظمها بالصغار، وهذه المرة الأولى التي تتوجّه فيها حملات التلقيح إلى كبار السن مع ما يرافق ذلك من إرباك في إقناع تلك الفئة، «كما لم ترتقِ الحملة الإعلامية الرسمية إلى المستوى المطلوب». وهناك، أيضاً، سبب «تاريخي» آخر يتعلق ببعض المناطق التي غالباً ما كانت نسب التلقيح فيها متدنية، ولا تزال تظهر تفلتاً من اللقاح، إما بسبب عدم الاقتناع به أو بسبب خريطة مراكز التلقيح، وهو ما يجب أن يدفع إلى تخصيصها ببعض الحملات، «والأهم من ذلك إعادة التوجيه والتأهيل للمراكز في تلك المناطق لتكون متاحة بسلاسة أمام الناس (...) لا يكفي أن نزورها بالباصات. فكرة الباصات حلوة، لكنها ليست الوسيلة الرئيسية بل وسيلة مساعدة».
المطلوب اليوم، إذاً، تغيير بعض الاستراتيجيات لزيادة المناعة، وخصوصاً في ظل وجود المتحوّرات. والمعادلة على الشكل الآتي: «كلما زاد عدد الملقّحين، باتت حماية المجتمع أفضل». ولذلك، لم يعد كافياً التوقف عند جرعتين من اللقاح، وبحسب البزري، «الجرعتان أفضل من واحدة، والثلاث أفضل من اثنتين».
لذلك، بات واضحاً التوجه نحو توسيع نطاق الجرعة الثالثة. ولئن كانت حتى اللحظة محصورة ــــ بحسب تعليمات منظّمة الصحة العالمية ــــ بمن يعانون من نقصٍ في المناعة وكبار السن، إلا أنه قد يصبح توجّهاً إلزامياً، وخصوصاً لدى من تلقّوا لقاحات استخدمت «الفيروس المقتول» في تركيبتها مثل «سينوفارم» الصيني. وفي هذا السياق، يميّز البزري بين «الإلزام» و«الاختيار»، مشيراً إلى أن متلقّي بعض اللقاحات قد يكونون «ملزمين بالجرعة الثالثة، فيما آخرون مخيّرون». ومن بين الملزمين قد يكونون من تلقّوا لقاح «سينوفارم»، وهم بحدود 8 آلاف ملقّح بجرعتين، وربما «سبوتنيك» الروسي وهم بحدود 60 ألفاً تلقّوا جرعتين أيضاً.
يؤكد البزري أنه «يفضل أن تكون بروتوكولات التلقيح هي ذاتها»، إلا أنّ ذلك لا يمنع من المزج والخلط، وخصوصاً إذا كانت بعض اللقاحات متوافرة أكثر من غيرها وإن كان اللقاح الذي تلقّاه الملقّح لم يعد موجوداً. وهذه التوصية هي نفسها ما تنادي به منظمة الصحة العالمية بتلقّي الجرعة الثالثة من أيّ لقاح متوفّر، إن لم يكن الأساسي موجوداً.