قبل أيّام، بعثت مدرسة النّهضة الرسمية للبنات في طرابلس رسالة نصيّة إلى أهالي الطالبات لديها طلبت منهم «الشعور بالآخرين، وخصوصاً الطالبات غير القادرات على إحضار الطعام معهن لظروف معينة». وتمنّت الإدارة على الأهالي «الاكتفاء بإرسال سندويش وماء فقط مع بناتهن، وترك الأصناف الأخرى من شوكولا وعصير وكلّ ما شابه في البيت، تفادياً للشعور بالفروقات بين طالباتنا».
هذه الرسالة التي تعدّ سابقة في مدينة طرابلس، كشفت في المقابل حجم الأزمة المعيشية والاجتماعية الخانقة التي يرزح تحتها السّواد الأعظم من أهالي المدينة، والتي جعلت أغلبهم غير قادرين على إعطاء أولادهم «خرجية» يومية مناسبة لهم خلال ذهابهم إلى مدارسهم.

فبعدما كانت هذه «الخرجيّة» بالنسبة للفقراء ومتوسّطي الدخل تتراوح بين ألف وألفي ليرة قبل نحو سنتين، يشتري خلالها التلميذ «منقوشة زعتر» أو علبة عصير، إضافة إلى قطعة صغيرة من الشوكولا أو البسكويت ذات السعر المتوسّط أو الرخيص، أصبحت تكلفة هذه الأغراض اليوم لا تقلّ عن 15 ألف ليرة على أقلّ تقدير، وهو مبلغ يعجز كثير من أهالي تلاميذ المدارس الرسمية، وحتى الخاصّة، عن تأمينه لأبنائهم.

ففي الأيّام الأخيرة، سجّل بعض المدارس الرسمية في طرابلس مشاهد مؤلمة من هذا القبيل، منها أنّ قسماً كبيراً من التلاميذ أحضروا معهم سندويشات زعتر فقط، تبيّن فيما بعد أنّ الزعتر كان مخلوطاً بالماء وليس بالزّيت، بعد ارتفاع سعر ليتر الزيت في الآونة الأخيرة من النوعية المتوسطة بشكل جنوني وصل إلى نحو 70 ألف ليرة، في حين أنّ سعر صفيحة زيت الزيتون الأصلي، سعة 16 ليتراً، لا تباع بأقلّ من مليوني ليرة لبنانية.

لكن حتى سندويشة الزّعتر المخلوطة بالماء هذه باتت بعيدة عن متناول البعض. فقد سجّلت إحدى مدارس طرابلس الرسمية فقدان تلميذ فيها الوعي بسبب الجوع، وعدم تناوله ما يكفيه من الطعام، وهو أمر أشارت إليه النّاشطة هنا حمزة في تغريدة، عندما قالت إنّ «الجوع يضرب تلاميذ المدارس في طرابلس. المعلّمون يروون حكايات موجعة عن أطفال يأتون إلى المدارس جياعاً. معلمة أخبرتني شخصياً أنّ أحد طلّابها فقد الوعي بسبب الجوع».

هذا الوضع الغذائي والصحّي والاجتماعي المتدهور بما يتعلّق بتلاميذ المدارس الرسمية، دفع كثيرين، ومنهم الناشطة فاطمة حلّاق، إلى دعوة الأهالي «بوضعهم سندويش زيادة في حقائب أبنائهم عندما يرسلونهم إلى مدارسهم، فربما يوجد زميل لهم جائع ولم يتناول طعاماً منذ وقت»، في حين لفت بلال الضنّاوي إلى أنّ ابنته التي تتابع دراستها في مدرسة رسمية أبلغته أنّ مديرة تلك المدرسة «قامت بتوزيع مناقيش زعتر مع علب عصير على جميع طالبات مدرستها، بعدما تقدّم بها متبرّعون لهذه الغاية».