وقع الصدام الذي كان متوقّعاً بين عناصر الجيش اللبناني وسماسرة أمام مركز المعاينة الميكانيكية، في مصلحة تسجيل الآليات والسيّارات في بلدة مجدليا ـ زغرتا، بعدما أوقف عناصر من مخابرات الجيش اللبناني أحد هؤلاء صباح اليوم، ما دفع بسائر السماسرة إلى التضامن معه، فقطعوا الطريق الرئيسي أمام المركز والمصلحة، وأغلقوا المدخل الرئيسي بإطارات السيّارات المشتعلة، قبل أن يقتحموا مركز المعاينة ويحطموا أجهزة الكمبيوتر داخله، ما أدّى إلى وقف العمل في المركز ومغادرة الموظفين والمواطنين المكان، وسط مظاهر من الفوضى والتخريب.

وما حصل اليوم كان متوقّعاً منذ فترة طويلة، نتيجة شكاوى قسم كبير من المواطنين الذين يزورون المركز والمصلحة من أجل إنجاز معاملاتهم، من التجاوزات غير المقبولة لهؤلاء السماسرة. شكاوى، وصلت إلى المرجعيات السّياسيّة والإدارية المعنية، كما إلى الأجهزة الأمنية، مرفقة بدعوات من أجل معالجة عاجلة للمشكلة قبل استفحالها، بعدما باتت التجاوزات لا تُحتمل.

ويتوزّع هؤلاء السماسرة على فئات، بعضهم يلجأ إلى ركن سيّارته يوميّاً أمام مدخل المركز، على أن يستبدلها لاحقاً بسيارة أحد المواطنين ممّن لا يفضّلون الانتظار طويلاً، لقاء بدل مادي يُراوح بين 200 إلى 300 ألف ليرة. في حين يُضطرّ من لا يدفع، إلى ركن سيّارته خلف طابور طويل والانتظار ساعات عدة. يضاف إلى ذلك المضايقات اللفظية والمعنوية والمادية التي يتعرض لها المواطن من قبل بعض هؤلاء السماسرة، في حال أصرّ على «ما لا يُرضيهم».

إلى جانب «باعة الأدوار»، كما يُسَمّون، هناك فئة أخرى من السّماسرة يقوم أصحابها بإدخال سيّارة أحد الأشخاص إلى المركز، وإجراء المعاينة المطلوبة لها، متجاوزين كلّ الأشخاص الذين ينتظرون قبله، مقابل بدل مالي يُراوح بين 500 ألف إلى مليون ليرة، حسب الزبون. وهناك شائعات تتحدث عن أنّ هؤلاء السّماسرة يوزّعون الأموال التي يحصلون عليها على موظفين في المركز، وعناصر من قوى الأمن الداخلي، الذين يقومون بـ«تسهيل أمورهم»، مقابل «تقسيم الغلّة» بينهم.

وإلى هؤلاء تُضاف فئة ثالثة من السماسرة تتحكّم بإنجاز المعاملات داخل المركز والمصلحة. فالمعاملة التي لا تمرّ عبرهم ولا يدفع صاحبها «المعلوم»، تتأخّر ساعاتٍ وربما أيّاماً.


هذه الفئات من السماسرة تتوزّع بين مواطنين عاديين، أغلبهم عاطل من العمل من عرب بلدة الفوّار المجاورة ومن أحياء القبّة والبدّاوي ووادي النحلة القريبة من المركز، وآخرين من فئات مهمّشة من عكّار والضنّية تقيم في أحزمة البؤس في ضواحي مدينة طرابلس.

ولكن لا يقتصر السماسرة على هؤلاء، بل تتحدث معلومات عن تورّط أصحاب مكاتب تسجيل السيّارات في هذه التجاوزات، وأيضاً موظفين وعمّال في المركز والمصلحة، فضلاً عن تورّط ضبّاط وعناصر أمنيّين، ما جعل السماسرة عبارة عن شبكة واسعة من المستفيدين. ويدفع ذلك بهم إلى التحرك لنصرة ودعم بعضهم البعض. وقد تُرجم ذلك بوضوح صباح اليوم، عندما أغلقوا أبواب المركز، وكسّروا محتوياته، وقطعوا الطريق الرئيسية في المنطقة، ما جعل قوة من الجيش اللبناني تتدخل لضبط الوضع وفتح الطريق بالقوة.