يشكّل الطبيب إحدى الحلقات الأساسية التي تكمل بنية القطاع الصحي، بحيث يصعب اختزاله من الصورة لكونه عنصراً أساسياً في استكمال المنظومة الصحية. لكن، في قانون الضمان الاجتماعي، ثمة توصيف آخر للطبيب يمنعه من الاستفادة من المنظومة الصحية الذي هو جزء أساسي فيها. فالطبيب في «الصندوق» هو صاحب مهنة حرة لا تمنحه الحصانة الكافية لتحصيل كامل حقوقه. من هنا، مثلاً، يُحرم الأطباء من الضمان الصحي عندما يصلون إلى عمر التقاعد المحدد بحسب القانون بـ64 عاماً. هكذا، وفي الوقت الذي يحتاج فيه الطبيب إلى الحماية الصحية يحرم منها... وبالقانون.من هنا، عملت نقابتا الأطباء في بيروت والشمال لمحاولة تعديل الواقع القائم، إلا أنهما غالباً ما اصطدمتا بواقع مؤسسة الضمان الاجتماعي، رغم أن الأطباء متعاقدون منذ العام 2001 مع الصندوق ويدفعون اشتراكات شهرية لصندوق المرض والأمومة. وفي عام 2017، تقدمت لجنة الصحة النيابية باقتراح قانون يقضي بإبقاء الضمان الصحي قائماً لكل فرد مضمون عند بلوغه سن التقاعد في أي مؤسسة قضى فيها فوق العشرين عاماً. وقد دخل القانون حيز التنفيذ، إلا أن «الفيتو» على الأطباء بقي قائماً، فاستثني هؤلاء من مفاعيله، وكان الجواب في حينها أن شمولهم يحتاج إلى «دراسة إكتوارية» لمعرفة ما للضمان وما عليه، خصوصاً في «ظل تخوف المعنيين في الصندوق من أعداد الأطباء الذين يمكن أن يستفيدوا من تلك الخدمة»، على ما تقول مصادر نقابة الأطباء في بيروت.
منذ ذلك الوقت، ولا تهدأ جولات الأطباء على المعنيين من دون جدوى، بانتظار الدراسة التي لم تنته إلى الآن. ولذلك، ومع بلوغ «العشرين عاماً» من تعاقد نقابة الأطباء مع صندوق الضمان، سلكت لجنة الصحة النيابية طريق القانون لتحصيل حقوق الأطباء، فتقدمت باقتراح لتعديل المادة التاسعة من قانون الضمان الاجتماعي التي تنصّ على الفئات المشمولة بالإفادة من الضمان بعد عمر الـ64 عاماً، بحيث يضاف الأطباء إليها. وبعد سلسلة من اللقاءات مع المعنيين، ولا سيما إدارة الضمان الاجتماعي، انتهى الاقتراح بموافقة أعضاء اللجنة، على أن يكون «للأطباء ضمان صحي، أي لا يخضعون للنظام التقاعدي والتقاعد صحياً، بحيث يشملهم فرق الضمان الطبي، أي صندوق المرض والأمومة»، على ما يقول رئيس اللجنة النائب عاصم عراجي، لافتاً إلى أن مشروع القانون «سلك» مبدئياً، ومحطته التالية هي لجنة المال والموازنة على أن ينتهي في الهيئة العامة لمجلس النواب تمهيداً لإقراره.
هي «الطريق الأسهل والأقرب»، هذا ما يقوله نقيب الأطباء في بيروت، شرف أبو شرف عن سلوك درب القانون، كما أنه آخر الحلول لإنصاف الأطباء، على ما يضيف، بعدما تعذّر شمولهم سابقاً بسبب معارضة بعض أعضاء مجلس إدارة الضمان. وبحسب أبو شرف، كان الموضوع سينتهي لو أن «مجلس إدارة الضمان أصدر مرسوماً بذلك وأحاله إلى مجلس الوزراء ليصبح نافذاً»، إلا أن ذلك لم يحصل «لأنه وُجد من يعارضه في مجلس إدارة الضمان بسبب تعارضه مع القوانين الموجودة». ولذلك، كان التوجه «نحو قانون الضمان الاجتماعي نفسه وتصحيح هذا التعارض بإضافة الأطباء إلى لائحة المستفيدين».
مصادر نقابة الأطباء تؤكد أن التعديل لن يكلف الضمان أعباء إضافية «خصوصاً أن الأطباء الذين أحيلوا إلى التقاعد لا يتعدون الـ1100 طبيب بين نقابتي بيروت والشمال، فيما البقية، وهم بحدود 12 ألفاً دون سن التقاعد، يدفعون اشتراكات شهرية للضمان». أضف إلى ذلك أن إقرار التعديل «يعني أن الأطباء المتقاعدون سيدفعون اشتراكات ليبقى ضمانهم وستزيد التكلفة الشهرية على الآخرين للحصول على حقوقهم». ويعتبر هؤلاء في النهاية أن إقرار التعديل هو تفصيل «وحفظ جميل ما يقدمه الأطباء، وحفظ لكرامتهم».