في العام 1978، احتل العدو الإسرائيلي القرى الحدودية المحاذية لفلسطين المحتلة عقب اجتياحه للمنطقة الواقعة إلى جنوب نهر الليطاني وقام بإنشاء منطقة الحزام الأمني لـ«إسرائيل» أطلق عليها لاحقاً اسم منطقة الشريط الحدودي وأنشأ فيها إدارة مدنية مشتركة مع عملائه.
عشرات القرى التي ضمّها العدو للشريط المحتل قابلها العديد من القرى المحررة التي اتكأت على جراحها طيلة فترة الاحتلال ونالت نصيبها من الاعتداءات اليومية شكّلت خط تماس مع قريناتها من القرى داخل الشريط.

من أطراف بلدة جبال البطم وزبقين مروراً ببلدات مجدل زون والمنصوري وصولاً إلى بلدة بيوت السياد، قرى التماس المحررة في قضاء صور تكثر فيها الحكايات ومعاناة أهلها الذين كانوا عنواناً للصمود طيلة فترة الاحتلال وقدموا الشهداء والجرحى بفعل تعرض هذه القرى إلى اعتداءات يومية من المواقع الإسرائيلية المقابلة لها.

بلدة بيوت السياد، جارة معبر الحمرا، شاهدة على العديد من الأحداث والاعتداءات الإسرائيلية وعملائه منذ العام 1978 حتى التحرير في العام 2000، حيث شكّل المعبر شرياناً حيوياً لأبناء قرى القطاع الغربي وممراً إلزامياً إذا ما تسنى لهم الحصول على تصريح للدخول إلى قراهم أو الخروج منها طيلة فترة الاحتلال.

بعد الانسحاب الإسرائيلي في العام 1978، تمركزت قوة من «جيش لبنان الحر» المنشق عن الجيش اللبناني في منطقة الحمرا الواقعة عند أطراف بلدة بيوت السياد على مدخل القطاع الغربي الذي يشكل ممراً رئيسياً من وإلى القرى المحتلة اشتهر باسم «معبر الحمرا».
بلال قشمر

قامت قوات العدو وعملائه بالتمركز في أربع نقاط اتخذت من سفوح التلال الممتدة من الطرف الغربي لبلدة البياضة وصولاً إلى سفح بلدة شمع وأنشأت مواقع عسكرية وكان أهمها وأكثرها فعالية موقع «تلة الحردون» من أحد أهم المواقع العسكرية الاستراتيجية يشرف على كامل الساحل الجنوبي لمدينة صور استخدم كغرفة عمليات لمنطقة القطاع الغربي تتحكم بالطريق الساحلي من رأس البياضة جنوباً إلى منطقة أبو الأسود شمالاً.

عشرات الموطنين الذين كانوا يعبرون إلى قراهم من خلال تصاريح كانت تفرضها عليهم قوات الاحتلال وعملائها وباستنسابية يجري فيها إذلال المواطنين عند وصولهم إلى المعبر والقيام بالتحقيق معهم، نساء وشيوخ وأطفال تراكمت في ذاكرتهم العديد من الأحداث وكانوا شهود على ممارسات العدو وعملائه لدى وصولهم للمعبر.

بعد 21 عاماً على التحرير، لا يزال أبناء أكثر من عشرين قرية في قضائي صور وبنت جبيل، قرى القطاع الغربي، يتذكرون معاناتهم مع العدو وعملائه الذين كانوا يتحكمون بالمعبر ويفرضون عليهم شتى أنواع الاذلال من خلال مزاجيتهم في فتح المعبر أو حصولهم على تصاريح مرور إضافة إلى منع العديد منهم من مغادرة منطقة الشريط الحدودي وفرض الاقامة الجبرية عليهم.

يوسف هاشم، أحد أبناء بلدة بيوت السياد المتاخمة بشكل مباشر لمنطقة الشريط الحدودي، يتحدث عن معاناة أبناء البلدة التي كانت محاطة بخمسة مواقع عسكرية للعدو الإسرائيلي وعملائه وكانت البلدة مسرحاً للاعتداءات الإسرائيلية وخط دفاع أوّل عن القرى المحررة وكانت تتعرض بشكل يومي للاعتداءات وقدمت العديد من الشهداء والجرحى.

يروي هاشم لـ«الأخبار» عندما دخلت قوة من جيش العدو عملائه واعتقلت العديد من المواطنين وقامت بالتحقيق معهم واحتجزت البعض منهم لعدة أيام في موقع صف الهوا في بنت جبيل، وذلك بعد مقتل مسؤول المعبر العميل «أبو دراج» من قبل المقاومة وردة الفعل التي حصلت من قبل إسرائيل وعملائها والقصف الذي طال البلدة مما اضطر الأهالي إلى ترك منازلهم المشرفة على المواقع العسكرية إلى بيوت أكثر أمناً هرباً من القذائف التي انهمرت بشكل هستيري وتسببت بالعديد من الجرحى من بينهم زوجته التي توفيت لاحقاً جراء الإصابة. ولكن، رغم ذلك، يؤكد هاشم: لم نترك البلدة، بقينا فيها رغم كل المعاناة، تمسكنا بأرضنا كي لا تنضم إلى قرى الشريط المحتل آنذاك.

يتحدث هاشم عن معبر الحمرا «معبر إذلال المواطنين» حسب تعبيره، ومشاهداته اليومية للذل الذي كان بتعرض له أبناء القرى المحتلة عند وصولهم على المعبر الذي كان يتجمّع فيه المواطنون منذ الساعة السادسة صباحاً ويبقون في العراء لمدة أكثر من 12 ساعة ليسمحوا لهم بالعبور بعد المضايقات التي كانو يتعرضون لها وإجبارهم على الصعود سيراً على الأقدام لمسافات طويلة لأنه ممنوع على السيارات اجتياز المعبر.

في العام 2000 كان معبر الحمرا أحد أهم معابر التحرير. يصف هاشم المشهد عندما دخل السكان إلى القرى المحتلة بعد انسحاب العدو الإسرائيلي وفرار العملاء منها بفعل المقاومة بأنه يوم لا ينتسى حفر عميقاً في الذاكرة ونقلنا من عصر الاحتلال إلى عصر الحرية والكرامة بفضل دماء الشهداء وصمود أبناء الجنوب الذين يستحقون الحياة على أرض بلعت محتليها.