ازدهرت، أخيراً، مهنة صناعة سلال القصب في ظل ارتفاع أسعار المواد البلاستيكية المرتبطة صناعتها أو استيرادها بالعملة الصعبة.
الدولار الذي أنهك الكثيرين، أحيا صنعة عبد اللطيف الدهيبي، والتي ورثها عن أجداده. العم لطوف (79 عاماً) تفرّغ في السنوات الأخيرة، في المنية الشمالية، إلى الزراعة الموسمية بعد أن تراجع سوق سلال القصب لصالح الأوعية البلاستيكية. بعد الإقفال العام، ومع غلاء المعيشة، عاد الدهيبي لصنع السلال لزيادة مدخول عائلته وأسرة ابنه الصغيرة. واهتم بصناعة حقائب القش التي راج استخدامها بدلاً من أكياس النايلون خلال التسوق وشراء الأغراض. استثمر بعض أفراد عائلته مميزات عمله التراثي وتراجع أعداد المتمكنين منه. روجوا لسلاله على صفحات التواصل الإجتماعي.

التكنولوجيا دعمت التراث بين يدي العم لطوف وصار نموذجاً لكسر الحواجز ليس بين الأجيال فقط، بل بين المناطق بـ"الديليفيري". صار لديه زبائن افتراضيون من بيروت وعاليه والشوف والبقاع وطرابلس، اختاروا منتجاته التي عرضها أهله على "فايسبوك" مذيلة برقم هاتف للتواصل. لم يهتم العجوز بتقنيات الترويج و"اللايك". لكنه اقتنع بجدواها في آليات سوق العمل الجديد. فقد تمكّن من جمع المال الكافي لشراء بطاريات لجهاز السمع الخاص به.

عرض البضائع في العالم الافتراضي سريع وسهل. لكن إنتاجها يحتاج لجهد في الواقع. صناعة السلال أو "الأرطل"، ارتبطت بسكان سواحل عكار كما ارتبطت بسكان السواحل. تحتاج إلى الصبر والأناة وتحمّل جروح "نسلات" القصب. يضطر العم لطوف للاستيقاظ يومياً عند الفجر للبحث داخل الأراضي الزراعية وعلى أسوار البساتين عن القصب الذي ينتشر بكثرة في منطقة المنية. يجمعها ويعود بها إلى منزله حيث يبدأ ورشته على الشرفة. "أقطع القصبة وأنقعها في المياه لتلين ثم أشرّحها طولياً أنظفها من الشوائب قبل أن أبدأ معركتي معها في لفها وطيها وتطويعها لتنحني". يجهّز بعدها قاعدة السلة التي تسمى "البدوة" وهي عبارة عن الركيزة الأساسية. غالباً ما تتألف من أكثر من عشر قصبات، يتم رصّها بالأرجل واليدين في حركة سريعة ولينة.