لم تعد محال «البالة» كسوة الفقراء. انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ضاعف أسعار الألبسة المستوردة المستعملة، فلم يعد بمقدور المعدمين أو محدودي الدخل تدبّر أمرهم من «الستوكات». لكن مصائب هؤلاء بسبب الدولار قابلتها فوائد لدى زبائن الـ«Outlet» أو زبائن الألبسة الجديدة، وحتى المقتدرين من الزبائن السابقين لمحال العلامات العالمية.
هكذا، وعلى الرغم من خسارة محال الألبسة الأوروبيّة المُستعملة في لبنان لزبائنها الفقراء جدّاً، فإنّها شهدت موجة نزوح لزبائن محال الألبسة الجديدة بعدما حلّقت أسعارها «في السماء». لينا حسن لم تفكّر يوماً في التوجّه إلى محال «البالة» أو مستودعات الثياب المستعملة. «تغيّرت الحال. أي قطعة لباس جديدة لا يقلّ سعرها عن مئتَي ألف ليرة، فيما أسعار المستعمل أرحم وأهوَن»، تقول. مع الغلاء العام والأزمة الاقتصادية التي طالت الجميع، لم يعد ارتياد «البالة» يثير خجلاً كما كان البعض يشعر. صار للزبائن الجدد مبررات كثيرة للتمسّك بهذا الخيار.
لا يرتبط الإقبال على البضائع الأوروبيّة المستعملة بأسعارها المقبولة مقارنة مع البضاعة الجديدة فحسب، بل بجودتها أيضاً. «بضاعة البالة غالباً ما تكون أحسن من الجديدة، ويمكن إيجاد ماركات بأسعار مناسبة للجميع»، تقول نهلة.

تروي رقيّة، الموظّفة في أحد تلك المحال، قصّة امرأة حضرت مع ثلاثة صبيان. اشترت ثلاثة سراويل، سعر كل واحد خمسة آلاف ليرة. وسوف تدفع خمسة آلاف إضافية عن كل سروال لإجراء بعض التعديلات عليه لدى الخياط. تنقل رقية عن سعادة الأم بأنها أمّنت ثياب العيد لأولادها قبل ارتفاع الأسعار أكثر!

ووجدت فئة الشباب في ملابس البالة «ملاذها الأخير»، تقول الخيّاطة زينب «الشباب الذين كانوا لا يكتفون بشراء بنطال جديد بأقلّ من مئة دولار في السابق، الآن صاروا يقصدون البالة، ويشترون ما يجدونه ملائماً، ثمّ يأتون إليّ لأصلّح لهم الملابس وأجعلها مناسبة لهم».

لكن مشهد الأكياس المليئة بالملابس تخرج من محال «الستوكات» لم يعد شائعاً. فالتاجر يستورد تلك البضاعة بالدولار أو اليورو. وبعد أن يسعّرها بالليرة، يضيف إليها تكلفة تشغيل المحل ورواتب الموظفين. سلوى مصطفى هي أحد أصحاب تلك المحال، توضح سبب ارتفاع سعر «تي شيرت» المستعملة إلى ما يزيد على 30 ألف ليرة. «القطعة التي كانت تساوي ثلاثة دولارات، أي 4500 ليرة، لا تزال تساوي ثلاثة دولارات، لكن عاللبناني صارت تساوي ثلاثين ألفاً».

بسبب هذا الغلاء، باتت حركة الشراء، حتّى من قِبل «المرتاحين من الناحية الماديّة نسبيّاً»، تقتصر على «الضروريّ فقط». وهذا لا يُشبه ما درجت عليه العادة، إذ كان الناس يقصدون محال البالة، «يملؤون الأكياس بثلاثين قطعة بثلاثين ألف ليرة وأحياناً أقل»، يقول أحد العاملين في محلّ بالة كبير، فيما اليوم «سعر قطعة واحدة أو قطعتين يساوي سعر عشرين قطعة سابقاً».

كثر الزبائن الذين يبحثون عن قطعة لباس بألف ليرة. «أين نجد شيئاً سعره ألف ليرة هذه الأيام؟». تسأل صباح برّو، صاحبة أحد المحال، شاكية الزبائن وآسفة لحالهم: «نتمنى أن يشتري الزبون من دون خلاف على السعر».