من العنصرية، إلى الاستضعاف، حتّى حجز الحرية، مآس عانى منها كثير من العمّال الأجانب في لبنان. ثم جاء انتشار وباء «كورونا» وانهيار الليرة مقابل الدولار، ليضاعف معاناتهم.
تروي ميمي، العاملة الإثيوبية في الخدمة المنزلية، التي عادت إلى بلادها منذ أشهر، قصّتها ببكاءٍ: «عملت لأشهر عديدة من دون أن أحصّل راتبي، والحجة كانت عدم توافر الدولار. وكانت المدام (ربة العمل) تضربني في كل مرة أطالبها بأموالي». بعد أشهر من المعاناة، غادرت ميمي منزل مخدومتها ولم تعد. عادت إلى موطنها بعد أن اتفقت سراً مع شقيقتها التي تعمل في لبنان أيضاً، بأن تؤمّن لها المبلغ الكافي لشراء تذكرة ذهاب من دون إياب.

روكسان، العاملة البنغالية في التنظيف المنزلي، تستعد أيضاً للعودة إلى موطنها: «لم أعد أستطيع الحصول على خمسة دولارات كتسعيرة بدل ساعة عمل بعد فقدان الدولار. ولا أجد من يدفع لي وفق سعر الصرف في السوق السوداء بسبب تراجع القدرة المالية لدى اللبنانيين. أصبحت أعيش في دوامة بسبب الدولار. إمّا أن أقبل قبض التسعيرة على سعر صرف 1500 ليرة أو أضطرّ أحياناً إلى استبدالها بـ5 آلاف ليرة لبنانية فقط». فرص العمل أيضاً تراجعت بسبب «كورونا»، كما أحجم الكثير عن إدخال العاملات إلى منازلهم خوفاً من احتمال العدوى.

العمّال العرب يعانون من أزمة الدولار أيضاً. محمد، يعمل ناطوراً في إحدى المدارس منذ 10 سنوات، يقول: «مشكلة المصريين هنا في الدولار، لأن راتبنا هو 600 ألف ليرة لبنانية ما لا قيمة له في ظلّ ارتفاع الدولار، ونحن نريد أي حلّ لنحوّل المال بالليرة اللبنانية ويصل إلى أهالينا في مصر بالعملة المصرية».
أمّا باكي، العاملة البنغالية، فتشكو من تراجع قدرتها الشرائية كما لو كانت في بنغلاديش.



لم تتحرّك الدولة لحل أزمة العمّال الأجانب سوى لترحيل من يملك ثمن التذكرة، التي فرضت شركات السفر، حتى «طيران الشرق الأوسط»، دفعها بالدولار. هنا، اضطلع بعض الجمعيات بدعم العمال الراغبين في العودة إلى بلدانهم أو الراغبين في تغيير أماكن عملهم التي لم يعد أصحابها قادرون على دفع أجورهم.
أبرز هذه الجمعيات «مؤسسة عامل الدولية». بحسب زينة مهنا، منسّقة برنامج العاملات والعمّال المهاجرين في المؤسسة، فقد «تم تعديل خطة الطوارئ منذ بداية عام 2020 واستُكملت بعد انتشار وباء كورونا». وبات السيناريو المعدّل يشمل مرحلتين. الأولى «في حال رغب العمّال في العودة إلى بلادهم، نتولى فوراً التنسيق مع السفارات والقنصليات ومع الأمن العام لتجهيز ملفاتهم، ولا سيما للمقيمين بطريقة غير شرعية. نوفّر لهم بطاقات السفر وفحوصات الـPCR ليتمكنوا من المغادرة». أمّا المرحلة الثانية، فتشمل العمّال الراغبين في البقاء في لبنان: «ندعمهم في تأمين كلفة إيجارات منازلهم وحصص غذائية ومستلزمات صحية، كالكمامة والمعقم وغيرهما»، تقول مهنا.

منذ عام ونصف، بعد تدهور الوضع الاقتصادي، سجّل القيّمون على البرنامج (انطلق عام 2011) تجاوباً لافتاً من الأمن العام ووزارة العمل لتسهيل عودة العمّال والعاملات. «استطعنا ترحيل أكثر من 330 عاملة قبل انتشار كورونا بشكل واسع». لدى «عامل» هناك 182 ألف عامل أجنبي مسجّل لديهم في لبنان، منهم 70 ألفاً لا يقيمون في المنزل نفسه مع كفلائهم. أولئك يواجهون أزمة إضافية تتمثّل في أحقيّتهم في الحصول على لقاح «كورونا»، لأنهم يختلطون يومياً بعدد كبير من الأشخاص. وبالفعل، سجلت إصابات جماعية بين العمّال الأجانب. وفي هذا الإطار، أفردت المؤسسة جهداً خاصاً لتوفير اللقاحات للعمّال. «يجري التنسيق مع اللجنة الوطنية للقاح في اجتماعات دورية لتأمينه للعاملات والعمّال».