لم يتسبّب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار بضرب معيشة اللبنانيين فقط، إنما ضرب أيضاً معيشة العمّال الأجانب في لبنان الذين كانوا في الأساس يتقاضون رواتب زهيدة. أولئك الذين وجدوا في لبنان مصدراً لجني الثروات بالمقارنة مع حال أوطانهم الفقيرة التي هربوا منها. تحمّلوا شظف العيش والعنصرية ليدّخروا بضعة دولارات يرسلونها إلى عائلاتهم حيث يصرفون الدولارات القليلة بكثير من أوراق العملة المحلية. أحلام العمّال وعائلاتهم تبخّرت. أرباب العمل باتوا يدفعون رواتبهم بالليرة اللبنانية وبأدنى سعر صرف في معظم الأحيان. من هنا، تبدأ دوّامة البحث عن دولارات لشرائها وإرسالها إلى عائلاتهم. ففي حال كان الأجر مئة أو مئتي دولار وفق سعر الصرف الرسمي، كم دولاراً باستطاعة العامل الشراء في ظل فلتان الصرف، هذا إن وجد من يبيعه؟

إزاء تفشي فيروس «كورونا» وانهيار سعر الصرف وما رافقهما من اضطراب في القطاعات الاقتصادية وإقفال مئات المؤسسات، تبدّلت خريطة العمّال الأجانب في لبنان الذي كان يزدحم بهم، ولا سيما العاملات المنزليات. غادر آلاف العمّال السوريين والإثيوبيين والبنغاليين والفلبينيين وأحدثوا فراغاً في مهن كانت تعتمد عليهم، كالتنظيف والبناء والخدمة المنزلية...

مؤسسة «الدولية للمعلومات» أصدرت بداية شهر آذار الجاري دراسة عن دخول وخروج العمّال الأجانب من وإلى لبنان في الأشهر الأخيرة عقب تدهور الأوضاع الاقتصادية. ارتكزت الدراسة على رصد عدد سمات العمل التي أصدرها الأمن العام للعمّال عام 2020 ومقارنتها مع عام 2019. وتبيّن بأن الطلب على السمات للعمّال الأجانب تراجع بنسبة 83 في المئة.

وبحسب الدراسة، فإن عدد سمات العمل التي منحها الأمن العام للعمّال العرب والأجانب عام 2020 بلغت 9780 سمة عمل مقابل 57,957 سمة عمل في عام 2019 أي بتراجع مقداره 48,177 سمة عمل ونسبتها 83 في المئة.



عدد التراجع الإجمالي قابله تباين في تراجع عدد العمّال بحسب جنسياتهم. العمّال من الجنسية الغانية تصدّروا قائمة المغادرين ومن عدلوا عن المجيء إلى لبنان. علماً بأن معظمهم من العاملات في الخدمة المنزلية. في عام 2019، حاز 11 ألفاً و539 غانياً على سمات عمل. أمّا في عام 2020، فقد حازها 706 غانيين فقط. في الدرجة الثانية، حل العمّال من الجنسية البنغلاديشية في المرتبة الثانية من حيث التراجع. في عام 2019، بلغت سمات العمل للبنغاليين، ولا سيما العاملات المنزليات وعمّال التنظيف، 5 آلاف و922 سمة. أمّا في العام التالي، فقد بلغت 867. في المرتبة الثالثة، بلغت سمات العمل المستصدرة للعمّال الإثيوبيين، ولا سيما العاملات المنزليات، في عام 2019، 16 ألفاً و848 سمة. وفي عام 2020، أصدر الأمن العام ألفين و838 سمة. وفي المرتبة الرابعة، حلّت الجنسية الفليبينية، ومعظم عمّالها من العاملات في الخدمة المنزلية. في عام 2019، بلغت السمات المستصدرة خمسة آلاف و165 سمة. وفي عام 2020، بلغت السمات 706 فقط.

من الجنسيات التي اعتاد اللبنانيون على التعاطي مع مواطنيها، ولا سيما على محطات الوقود، المصرية. العمّال المصريون غادروا لبنان بشكل كبير. في عام 2019، بلغ عدد طالبي السمات ألفاً و716 عاملاً وفي عام 2020، بلغوا 356 سمة فقط. ولحظت الدراسة تراجعاً في السمات الممنوحة لعمّال من جنسيات أخرى بالترتيب: النيجيرية ثم السيراليونية ثم المصرية ثم الأوكرانية والكينية والبنينية والهندية والتوغولية.

وقال الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، لـ«الأخبار»، إن عدد العمّال العرب والأجانب المتواجدين في لبنان حتى عام 2019 بإقامة شرعية، ما عدا السوريين والفلسطينيين، بلغوا 247 ألفاً و88 شخصاً، إضافة إلى حوالى مئة ألف عامل دخلوا إلى لبنان خلسة أو دخلوا شرعياً ولم يجددوا أوراقهم. أولئك الـ 350 ألف عامل في عام 2019، تراجعوا إلى 250 ألفاً في عام 2020. العام الماضي، أي بالتزامن مع تفشي «كورونا» وانهيار قيمة العملة المحلية وفقدان الدولار من الأسواق، سُجّل دخول عشرة آلاف عامل جديد، لكن في مقابل 57 ألف عامل جديد في عام 2019.