وضع المدرّسين المستعان بهم في تعليم النازحين السوريين يبلغ من الهشاشة ما يسمح لإحدى المديرات بإهانتهم في معرض ثنيهم عن الاستمرار في الإضراب الذي بدأ منذ 10 أيام، إذ لم تتردد في مخاطبة المدرّسين في مدرستها بانفعال عبر تسجيل صوتي: «اللي بدّو يعلّم يتفضل يعلّم، واللي ما بدّو عمرينو ما يعلّم، أنا بدّي فيدكم، مش جايي شي لكيسي، إنتو الخسرانين». أو أن ينقل أحد المديرين تعليمات وحدة التعليم الشامل في وزارة التربية (المعنية بإدارة تعليم السوريين) بالقول للأساتذة، في رسالة صوتية أيضاً تتضمن نوعاً من الإذلال، «ليعتبر كل أستاذ يضرب عن التعليم نفسه خارج العمل، ومن يرد أن يجدد عقده فليتصل بي شخصياً اليوم أو غداً لأنني سأبدأ بتعيين معلمين ومعلمات جدد بدلاء منكم».مثل هذا التهديد لا يمكن أن يحصل فيما لو كان المضربون مثبتين في ملاك التعليم، باعتبار أن الإضراب حق يكفله الدستور، كما لا يتجرأ المديرون عليه لو لم يكونوا متيقّنين بأن المدرّسين أصحاب حاجة، والفتات الذي ينالونه من مستحقات التعليم بعد الظهر هو المردود الوحيد لغالبيتهم.
ولولا تغريدة وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب، مساء أول من أمس، لأدّت هذه التهديدات إلى تراجع كثيرين عن الإضراب الذي ينفذونه، احتجاجاً على عدم دفع مستحقات «التعليم عن بعد» عن الفصل الدراسي الثاني من العام الماضي، إذ إن مصير الأموال لا يزال مجهولاً حتى اليوم، إن لجهة تحويل الأموال، أو لجهة تأمين التمويل للسنة الحالية 2020 - 2021. ومما قاله المجذوب في تغريدته: «الإضراب حق لكل متعاقد مهما كان نوع تعاقده، وممنوع على أي كان أن يهدد باستبدالكم أو الاستغناء عنكم. سمعناكم جيداً، ونعمل على ضمان حقوقكم كاملة».
مصادر المدرّسين أشارت إلى أن الضغط لتسيير مدارس بعد الظهر سببه الخشية من وقف الجهات المانحة للتمويل، والدليل أن بعض المديرين حرصوا على «الإيحاء للمانحين بأن التعليم عن بعد مستمر حتى لو لم تتجاوز المشاركة 10 في المئة من الأساتذة»!
في الواقع، المعضلة الأساسية هي في التعليم عن بعد نفسه ولا سيما في مدارس النازحين، إذ إن تطبيق «واتساب» هو الوسيلة الوحيدة المستخدمة في هذا التعليم، لكون الـ«تابليت» والـ«لابتوب» وأجهزة الكومبيوتر غير مؤمنة، في حين أن عدد التلامذة المواكبين للعملية لا يتجاوز 50 في المئة من عدد المسجلين في أحسن الحالات. والمفارقة أن عدد المتابعين ليس أفضل حالاً في التعليم الرسمي ما قبل الظهر. ومن التلامدة النازحين من يتابع درسه بعد الظهر لأنه يتشارك الجهاز الخلوي مع أحد أفراد أسرته.
تطبيق «واتساب» هو الوسيلة الوحيدة للتعليم عن بعد في مدارس النازحين


لجنة المستعان بهم في دوام بعد الظهر قالت، في بيان، إن «إدارة وحدة التعليم الشامل تواصل نهجها في إقناع المدرسين بالوعود المتكررة الواهية من جهة، وتستخدم من جهة أخرى أسلوب التهديد والضغط، في محاولة لإفشال الإضراب العام وتعليقه، إضافة إلى سياسة فرّق تسد من خلال زيادة ساعة المديرين 5 آلاف ليرة، لتصبح موازية لساعة الأستاذ». ووصفت هذه الزيادة بـ«الرشوة، لكون نتائجها ظهرت سريعاً، فبعدما أيّد بعض المديرين حق المدرّسين بتنفيذ الإضراب، أصبح التهديد والوعيد سيد الموقف». وتوجّهت إلى المديرين بالقول: «كنا ومستمرون في رفع مطلبكم بنيلكم بدل الساعة 20 دولاراً وليس دولارين. ونودّ تذكيركم بأن حقكم يفوق الـ 20 ألف ليرة. وكان عليكم أنتم أن تدعوا إلى الإضراب ونساندكم، لا العكس».
أما وحدة التعليم الشامل فدعت، في بيان، المدرسين إلى العودة عن الإضراب، مبررة توجيه المديرين لتأمين تنفيذ التعليم عن بعد، بالتزامها مقررات وزارة التربية ومتطلبات الجهات الممولة التي تؤيد أهمية الاستمرار بتقديم التعليم عن بعد للتلامذة غير اللبنانيين في دوام بعد الظهر. وعزت عدم دفع المستحقات عن الساعات المنفذة فعلياً للعام الدراسي الماضي إلى عدم وصول التمويل الى حساب وزارة التربية في المصرف المركزي. وأعلنت الوحدة الموافقة على زيادة بدل ساعة المدير من 15 ألف ليرة لبنانية الى 20 ألف ليرة لبنانية، في ضوء التعديل الأخير الذي طال رواتبهم في الدوام الصباحي، إضافة إلى تسديد المستحقات عن نصف دوام المديرين والنظار عن الفترة التي لم ينفذ خلالها التعليم عن بعد خلال العام الدراسي الماضي، والسعي مع الجهات الممولة لنيل الموافقة على تسديد نسبة عادلة من المستحقات عن الفترة التي تعذّر على المدرّسين خلالها تنفيذ التعليم عن بعد خلال الفصل الثاني من العام الدراسي الماضي لأسباب قسرية تخرج عن إرادتهم.
متعاقدو قبل الظهر
على المقلب الآخر، يواصل الأساتذة والمعلمون المتعاقدون إضرابهم المفتوح مند 10 أيام وسط خروق لا تتجاوز 10 في المئة، بحسب ما قالت لـ«الأخبار» رئيسة اللجنة الفاعلة للمتعاقدين نسرين شاهين، ولا سيما بعد «فشل إدارات المدارس في توزيع ساعات المتعاقدين على أساتذة الملاك الذين تمسكوا بنصابهم ورفضوا هذا الطرح». وأكدت شاهين أن الإضراب مستمر حتى احتساب عقود الأساتذة كاملة».
وتحت عنوان استقرار المدرسة الرسمية وديمومتها، قررت رابطة معلمي التعليم الأساسي وقف التدريس، اليوم وغداً، في كل المدارس الرسمية (للدوامين قبل الظهر وبعده)، وتفويض رئيس الرابطة بالمتابعة مع المعنيين لإصدار قرار يؤمّن حسن سير العمل في المدارس الرسمية وحفظ حقوق المعلمين بمختلف مسمياتهم، ودعوة مجالس الفروع لإقرار توصية بتفويض الهيئة الإدارية باتخاذ المواقف التصعيدية اللازمة.