على مدى السنوات الأخيرة، تعرّضت المناهج التعليمية اللبنانية، الصادرة في عام 1997، للانتقادات من نواح عديدة، ولا سيما اعتمادها على الحشو والتركيز على تقييم المكتسبات المعرفية، من دون تقييم المهارات الأدائية الأخرى من تحليل وتركيب واستنتاج، وذلك بالنظر إلى واقع المحتوى التعليمي، وطرق التعليم، والوسائل التعليمية، والسعي إلى تحصيل التقديرات في الامتحانات الرسمية فحسب.التمسك بالحشو كان له الدور الأكبر في أزمتنا الحالية. فلو جرى تقليص المناهج في أوقات سابقة، لكان بالإمكان اليوم تفادي الكثير من الثغر، والتفرغ في العملية التعليمية للمهارات الحياتية الأدائية.
لقد أثبتت جائحة «كورونا» أنه كان بالإمكان الابتعاد عن الحشو في الوقت الذي كان الجميع يرى سابقاً أن جميع الأهداف التعليمية المطلوبة في كل مادة خط أحمر لا يمكن المساس به، إلى درجة أن القائمين على المواد يعتبرون أن مجرد التداول في تقليص بعض الأهداف أو الدروس يمسهم بصورة شخصية.
في ظل هذه الظروف التي فرضت التقليص، كما فرضت التعلم من بُعد بأشكاله المختلفة، لا بد من مقاربة تقويمية جديدة تحاكي التغيير الحاصل، باعتبار أن التقويم هو العنصر الوحيد الذي يدل على مدى تحقق الأهداف المطلوبة، ويبنى على أساسه الكثير من النتائج.
ورغم أن التقويم في التعلم من بُعد هو من أصعب التحديات لما يشوبه من معوقات، منها ما هو خاص ببلدنا مثل الكهرباء والإنترنت، ومنها ما هو عالمي كالغش، إلا أنه لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي، وعلينا أن نضع الحلول الموضوعية القابلة للتطبيق، وهذا أمر مفروغ منه، إذ لا خيار آخر لدينا، فنحن لسنا أمام عملية تعلم من بُعد اختيارية. وما يشجعنا على خوض هذه التجربة أن عملية التقويم لدينا بالأصل كانت تحتاج إلى التطوير، إذ لم تشمل جميع المجالات المعرفية والأدائية والوجدانية، ولم تكن علامة التلميذ مرآة موضوعية لقدراته ومهاراته، بل مجرد رقم للنجاح والترفع، مع العلم أن التقويم التربوي يشترط ترجمة عمل التلميذ إلى علامة، إلا أنه لا يشترط أن يكون هذا العمل اختباراً خطياً.
لا ندّعي القدرة على حل مشكلة التقويم خلال عملية التعلم من بعد، لكن يمكن لبعض اقتراحات الحلول أن تسهم في تخطّي هذا التحدي بأقل الخسائر الممكنة، وبصورة موضوعية يمكن أن:
- نضع مكونات علامة تراكمية (Formative) لكل مادة للابتعاد عن فكرة الحكم من خلال امتحان واحد.
- نبتعد قدر الإمكان عن الامتحانات الخطية والتوجه نحو طرق التقويم التي تستند إلى عرض التلميذ وتقديمه للمعلومة أو الهدف التعليمي، مثل إجراء الأبحاث والأنشطة التي من شأنها أن تعزز مهارات التواصل والتقديم والتحليل لدى التلميذ، وتنفيذه للمطلوب منه هو دليل قاطع على قيامه بواجباته.
- استخدام استراتيجية الصف المعكوس Flipped classroom بحيث يكلف التلميذ بشرح المحتوى الرقمي الذي جرى إرساله سابقاً من قبل المعلم بعد تقسيم الصف إلى مجموعات أو اعتماد طريقة Reflection، إذ يطلب من التلميذ تقديم ملخص لما تمّ شرحه في الحصة السابقة، وهذه الطريقة من شأنها ترسيخ الأهداف وتعزيز اللغة.
- لدى استخدام Google form, Socrative…. أو غيرها من التطبيقات، لا بد من تكييف الامتحان ليُشبه امتحانات الكتاب المفتوح (open book) حيث نبتعد عن الأسئلة المباشرة ونتوجه إلى أسئلة تعتمد التحليل والربط مع التشدد في تحديد الوقت الملائم من دون إعطائه فرصة البحث عن المعلومة وإمكان استخدام تقنية الكاميرا المفتوحة خلال الإجابة.
إن اعتماد مثل هذه الطرق أو طرق مشابهة مع الحفاظ على تنوّعها للتقويم اليومي التراكمي (Formative) مع الامتحانات الحضورية للتقويم التقريري (summative) هو الأفضل حالياً والأكثر موضوعية، وهو أفضل بالتأكيد من التقويم الذي كان يحدث في السنوات السابقة. على أمل أن لا نجد أنفسنا أمام واقع لا يُمكّننا من إجراء أي نوع من التقويم الحضوري، وأن نضطر إلى الاكتفاء بالتقويم عن بعد، ما سيفرض تنويع الأدوات والطرق، والتركيز على عمل التلميذ وأدائه، مع مراعاة الفروقات الفردية بين التلامذة.

* مدرّب تربوي وأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا