قبل نحو شهر ونصف شهر، زاد وزن ربطة الخبز مئة غرام (من 900 إلى 1000) وأُبقي على سعرها المحدد بـ 2000 ليرة. كان ذلك نتيجة «بركات» 12 ألف طن من الطحين التركي قدّمتها منظّمة الغذاء العالمية هبة للبنان على خلفية انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي.يومها، أسفرت المُفاوضات بين وزارة الاقتصاد وأصحاب المطاحن والأفران عن «صيغة» قضت بـ«منح» الهبة إلى المطاحن التي تسلّمت بدورها مهمة توزيعها على الأفران وفق آلية تنص على إعطاء أصحاب الأفران 25% من الطحين التركي و75% من منتجات المطاحن، مقابل الإبقاء على سعر ربطة الخبز ورفع وزنها.
حتى الآن، لا تزال هذه الصيغة سائدة، لكن ما تبقى من الطحين التركي يكفي لأسبوعين كحدّ أقصى. فهل يعني ذلك أن سعر ربطة الخبز ووزنها مرهونان بمدى توفر طحين المُساعدات؟ وماذا عن الـ 10 آلاف طن من الطحين العراقي الذي أثارت بلدية الغبيري، مساء أول من أمس، مسألة كساد مئات الأكياس منه في مخازن المدينة الرياضية؟ ما هو مصيرها، ومن المسؤول عن «إدارتها»، وهل يكون لها «مفعول» الطحين التركي في رفع وزن ربطة الخبز؟

لا مخازن للطحين
المُدير العام للحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد جريس برباري أكد في اتصال مع «الأخبار» أنه جرى «تضخيم مسألة فساد الطحين بسبب سوء تخزينه... إذ إن تلف بضعة أكياس من أصل آلاف الأطنان نتيجة نقلها وشحنها يُعدّ حادثاً طبيعياً وعرضياً». ولفت إلى أن سبعة من ضباط الجيش كشفوا على مخازن المدينة الرياضية قبل نقل الشحنات إليها، فيما أشرفت وزارة الاقتصاد على رشها بالمبيدات وشراء لوائح خشبية لضمان تخزينها».
لكن، لماذا اعتماد هذه المخازن في ظل شكوك حول ملاءمتها لذلك؟ يجيب برباري بأن الجيش الموكل تسلّم المساعدات «طرح هذه المخازن كخيار وتمت الموافقة عليه في ظل انعدام الخيارات أمامنا. إذ لا مراكز لدينا لتخزين الطحين، لذلك كنا نطالب بأن تكون المُساعدات على شكل قمح نظراً الى سهولة تخزينه. لكننا لا نستطيع أن نفرض شروطنا، وحشرتنا الحكومة العراقية بعدما أصرت على تفريغ الحمولات بعد يوم واحد من إعلانها إرسال المُساعدات».
نائب رئيس اتحاد المخابز والأفران علي ابراهيم أوضح أن نحو سبعة آلاف طن من الطحين العراقي خُزّنت في المدينة الرياضية، «ووُضعت الثلاثة آلاف المتبقية في مخازن أفران شمسين نظراً الى عدم قدرة الأفران على تخزينها لديها»، فيما أكد رئيس نقابة الصناعات الغذائية المتحدث باسم أصحاب المطاحن أحمد حطيط أن المطاحن عاجزة بدورها عن تخزين الطحين، وتسلّم الكميات المطلوبة للأفران «كل يوم بيومه».
هبات الطحين تتعارض ومصالح أصحاب المطاحن


السؤال الأساس، في ظلّ «وفرة» الطحين، هو: لماذا لا يخفض سعر ربطة الخبز؟ أو ما الذي يحول دون توزيع خبز مجاني على المحتاجين مثلاً؟
يتذرّع المعنيّون بأن الطحين العراقي أو التركي لا يدخل جميعه في صناعة الخبز العربي اللبناني «بل يدخل في صناعة الحلويات أو الكرواسون، فهل نقوم بتوزيع الكرواسون مثلاً؟»، يسأل برباري، علماً بأن أصحاب الأفران والمطاحن يستفيدون من الدعم الذي تقدمه الدولة للطحين الذي يدخل في صناعة الحلويات. ويبدو أن تململ أصحاب المصالح من هبات الطحين لا يرتبط فقط بصعوبة تخزينه، بل لأنها تؤثر على عمل المطاحن في لبنان، وهو ما أشار إليه برباري عندما سأل: «هل نقفل عمل المطاحن إذا استمرت الهبات تتدفق الى لبنان؟».
لا ينكر حطيط أن هذا الأمر لا يصب في مصلحة المطاحن البالغ عددها 12، لكنه يلفت الى أن سعر القمح ارتفع عالمياً بشكل كبير في الأسابيع الماضية «ما يؤدي حكماً إلى رفع سعر ربطة الخبز... إلا أن وفرة الطحين حالياً من شأنها أن تعادل الكلفة وتسمح بالإبقاء على السعر الحالي». ويعني ذلك أنه إذا كان الطحين التركي قد ثبّت سعر ربطة الخبز لمدة ثلاثة أشهر، فهذا يعني أن «بركات» الطحين العراقي لن تدوم طويلاً قبل أن يعود أصحاب الأفران الى نغمة رفع سعر رغيف الفقراء.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا