حوالى ثلاثة أشهر مرّت على انفجار مرفأ بيروت من دون أن تظهر النتائج البيئية للكارثة بعد. جهات عدة، من بينها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئات دولية أخرى ووزارة البيئة اللبنانية، أجرت مسوحات لمسرح الانفجار وأخذت عيّنات من موقعه ومحيطه، من دون أن يقدم أيّ منها تقييماً بيئياً للكارثة أو يحدّد كميات الردم والنفايات الناجمة عنها وغيرها من الآثار البيئية. كل ذلك ولم يتّضح حتى الآن سبب الانفجار وماهية المواد التي انفجرت ونوعية الغبار أو الملوّثات التي انتشرت، ولا كيفية التعامل معها. كما لم تُعرف نوعية الردميات التي نجمت عن الانفجار وحجمها، علماً أن الردميات التي تنتج عن هذا النوع من الكوارث لا تصنّف عادية، وتتضمّن في العادة مواد سامة وخطرة، وتحتاج إلى إدارة خاصة، إن لناحية طرق الجمع وسبل الوقاية أو لناحية اختيار أماكن التخزين وطرق المعالجة. كما لم يشرح أحد للجمعيات التي شاركت في رفع الأنقاض وللمتطوعين الذين عملوا على إزالة الردم، ما الذي يمكن فرزه وكيف، وما إذا كانت هناك مواد قابلة لإعادة الاستخدام أو التصنيع أو الاستفادة منها، ولا كيف يمكن التعامل مع المواد الخطرة من ضمن خطة متكاملة تبدأ بكيفية الفرز والتجميع والنقل والمعالجة أو الترحيل. أيضاً، لم يتم اختيار أماكن تجميع الردميات بشكل مدروس ووقعت خلافات حول هذه الأماكن، وسُجّل تهريب لبعض الردميات، وعشوائية في التنظيف التطوعي وغير التطوعي وفي النقل والتجميع.هناك من أحصى عدد القتلى والجرحى وحجم الأضرار والتعويضات… أما نوعية المواد التي تم تنشّقها أثناء الانفجار وبعده وأثناء جمع الردميات ونقلها وفي أماكن تجميعها، وأثر كلّ ذلك على الصحة العامة على المديَين القصير والبعيد… فلم يفهم منها أحد شيئاً. رغم أن من المؤكّد أن الردميات تتضمّن مادة الاسبستوس التي تُستخدم في الأسقف والأنابيب والتي تتسبّب بأمراض سرطانية. وقد كشفت تقارير، لم تُنشر رسمياً بعد، أن هذه المادة وُجدت في عيّنات الهواء الذي أُخذ من الأماكن المهدمة. علماً أن في المنازل المهدمة أيضاً الكثير من المواد الأخرى المصنّفة خطرة مثل مواد التنظيف الكيميائية والإلكترونيات والنفايات الطبية وغيرها. ورغم ذلك كلّه، لم تُتّخذ أي إجراءات وقائية لا أثناء المسح والتنظيف وإعادة البناء… ولا الآن. ويتوقع خبراء أن يزداد الأمر سوءاً مع أول هطول للأمطار، عندما تتحول كل تلك المواد والغبار العالقة إلى وحول تختلط بالمياه الجوفية ومياه الشرب عبر الأنابيب المهترئة.
في الحصيلة، الإرباك سيد الموقف. ورغم كل هذا الحشد الأممي والخبراء والجمعيات، لم تكن هناك قيادة رسمية تعرف ماذا تريد وكيف تستفيد من كلّ دعم، أو كيف تنسّق وتوجه وتحدّد ما هو المطلوب من كلّ من يريد المساعدة، لا سيما في الشأن البيئي. فشلت وزارة البيئة في قيادة هذه العملية وفي التنسيق بين كل الأطراف المتدخلة ووضع الخطط وتحديد الحاجات وتوحيد الجهود… وقد شكا كثيرون من وزير البيئة شبه الموجود والمدير العام للوزارة شبه الغائب! ولا يزال وزير البيئة المستقيل دميانوس قطار يلتزم الصمت منذ وقوع الكارثة، لا يشرح ماذا حصل وكيف تُدار هذه الكارثة من الناحية البيئية وكيف يُفترض التصرف وتحديد المسؤوليات وتحمّلها رغم كثرة اللجان التي خصصها رئيس الحكومة لقضايا البيئة.
المسؤولة الإعلامية في الاتحاد الأوروبي أعلنت أخيراً أنه «بناء على طلب الحكومة اللبنانية، وفّر الاتحاد الأوروبي خبراء ميدانيين للعمل داخل منطقة مرفأ بيروت وخارجها، للمساهمة في تسهيل الإدارة الآمنة للنفايات الناجمة عن التفجير. ويجري العمل في الوقت الراهن بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية على الأرض، وما زال من المبكر إعطاء أي نتائج». ورغم عدم الاقتناع بهذا الجواب، لا يمكن تحميل مسؤولية الردّ على الأسئلة المقلقة، إلا للمسؤولين اللبنانيين وفي طليعتهم وزارة البيئة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا