بات عدد المهندسين المنتسبين إلى نقابة المهندسين في بيروت يلامس 60 ألفاً. تكاثر العدد بلا أي دراسة أو رقابة أو ترتيب للأولويات في ما يخص الاختصاصات التي يحتاج إليها سوق العمل. وكانت النتيجة أن «فاض» المهندسون عن حاجة لبنان واستثماراته، حتى صارت نسبتهم إلى السكان نحو 1.5 لكل ألف مواطن، وهي من النسب الأعلى في العالم، في مقابل تصحّر جغرافية العمل المهني. إذ أدى الانكماش الاقتصادي في العالم العربي، وخصوصاً في دول الخليج، إلى استبدال الكفاءات الهندسية اللبنانية بكفاءات آسيوية أقل أجراً.بذلك، أصيب القطاع الهندسي بخسائر كبيرة وخضع للتنافس الحاد، أضف الى ذلك تشريعات أعفت المواطنين من الحصول على رخص البناء، مرة بعنوان إعادة المهجرين، وأخرى برخص من البلديات او تحت مسمّى «الترميم»، ما أدى إلى تقليص أبواب العمل الهندسي المرخّص من النقابة وفق القوانين المرعية الإجراء .
هكذا، تواجه النقابة ومهندسوها تحديات مهنية ومالية واقتصادية. فالقيمة الشرائية للعملة الوطنية تآكلت، وانعكست أزمة المصارف على مدخرات النقابة واستثماراتها، مع ما لذلك من تداعيات سلبية على صندوق التقاعد والتقديمات الاجتماعية والاستشفائية للمهندسين.
في الوقت نفسه، كبرت كتلة المهندسين المتقاعدين ليتجاوز عدد هؤلاء الثلاثة آلاف، أي نحو 10% من العاملين المقيمين. وإذا احتسبنا أن أعداد المهندسين تزايدت بشكل كبير منذ منتصف الثمانينيات، فهذا يعني أنّ أعداد المتقاعدين بدءاً من العام 2026 ستكون مضاعفة، ما سيزعزع نظام التقاعد، إن لم يتم تدارك ذلك بدراسة تنظيم وتحديد سن التقاعد وراتبه لحفظ مصالح كل المهندسين المشتركين الذين ساهموا في تغذية صندوق التقاعد وتمويله.
ومن التحديات، أيضاً، استحداث مكاتب التدقيق المحصورة لهيئة جديدة للإشراف والتدقيق (مرسوم رقم 7964 تعديل المرسوم رقم 14293) بحيث تداخل فيها الخاص مع النقابي والرسمي، وأنشأت نوعاً من مكاتب الاحتكار الهندسي الجديد. فأصبحت رخصة البناء خاضعة لحلقة من الإشراف والرقابة والتدخل المتعدد الصلاحية والمنطلقات، ابتداءً من المهندس الى النقابة ومكتب التدقيق والمجلس الأعلى للتنظيم المدني والمكاتب الفنية للتنظيم المدني في المحافظات والأقضية والبلديات، ما يزيد الأعباء المالية ويفرض على المهندس والمالك دورة بيروقراطية تستنزف الوقت والمال والاستثمار، علماً بأن في الإمكان أن تبقى هذه الأعمال ضمن النقابة مع الحاجة إلى عدد من الموظفين والكفاءات لإنجاز المعاملات والرقابة الفنية والقانونية، أو تعديل شروط تأسيسها بما يحفظ مستواها الرقابي ويوسّع مروحة المهندسين القادرين على تأسيسها. ويمكن أيضاً استحداث هيئة لاستثمار وإدارة الأموال وعدم تركها للنقيب أو لمجلس النقابة، لتفادي الوقوع في فخاخ قرارات غير صحيحة وخاطئة من دون قصد نتيجة عدم الاختصاص وغياب الخبرة.
ومع أنّ الهدف من استحداث فروع للنقابة في المحافظات وتوظيف مهندسين وإداريين كان بقصد تخفيف الأعباء عن المهندسين لجهة التنقل والنزول الى المقر الرئيسي في بيروت. لكن - في الواقع - انعكس ذلك سلباً على النقابة ومصاريفها بسبب عدم إعطاء هذه الفروع صلاحية إنجاز المعاملات من دون تبرير جوهري، ما جعلها مراكز تجميع للمعاملات مع كلفة رواتب ومصاريف إضافية. لذلك، إما أن تعطى هذه المكاتب صلاحيات بعنوان لامركزية العمل الإداري والفني أو تُلغى لحصر النفقات، فيما يفترض العمل على إعداد منظومة مصرفية خاصة بعنوان «هيئة القرض الهندسي» للمهندسين المبتدئين، بفائدة تساوي تلك التي تأخذها النقابة من المصارف، ما يسهّل على المهندسين افتتاح مكاتب أو بناء منظومات إنتاج صغيرة ومتوسطة، ويوفر عليهم الاستدانة من المصارف بفوائد عالية. كذلك ينبغي إقرار نظام انتخابي يعتمد النسبية لتوسعة مشاركة المهندسين ووجهات النظر المتعددة في حماية النقابة وتطويرها. كما يحتاج المهندسون، أيضاً، إلى استحداث هيئة للبحث العلمي لتشجيعهم على العمل البحثي لتطوير مهنتهم.
مسؤولية حماية النقابة وتحصينها وحفظ حقوق المنتسبين العاملين أو المتقاعدين أو المتوفّين هي مسؤولية فردية وجماعية تعاونية بعيداً من الاصطفافات الحزبية أو المذهبية أو المناطقية.
وبما أنه لا يمكن فصل العمل السياسي عن العمل النقابي لتكاملهما وتعدد نقاط التقاطع على مستوى التشريع والقرارات الرسمية من مراسيم وقوانين ومذكرات إدارية وبلدية، فإن المطلوب أن يكون العمل السياسي رافداً للعمل النقابي وداعماً لتحصين بنيانه وحقوقه، لا أن يكون التعامل مع الانتخابات النقابية على أنها تسجيل لأهداف سياسية مع إهمال للعمل النقابي اليومي والمستدام.
لذلك، ينتظر أن تكون الانتخابات جسراً لتثبيت وبناء منظومة «نقابة مهنية اجتماعية علمية ووطنية».

* رئيس قسم الهندسة المعمارية في الجامعة اللبنانية
رئيس الفرقة البحثية في المعهد العالي للدكتوراه



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا