ينفذ الأطباء، اليوم، وقفة أمام وزارة الصحة العامة احتجاجاً على قرار الوزير حمد حسن القاضي بـ«تعديل» آلية بيع اللقاحات، عبر فرض شرائها من الصيدليات لا من الأطباء. التحرك الذي تقوده نقابتا بيروت وطرابلس تحت عنوان «صحة المواطن أولوية» يأتي كأول مواجهة علنية مع الوزارة في ما يخص «الحق» في بيع الأدوية، وفي مقدمتها اللقاحات، بعدما اصطدمت محاولات الأطباء لثني وزير الصحة عن قراره بطريق مسدود، في ظل تمسكه بـ«إعادة الصلاحيات إلى أصحابها». وقد أعدّ الأطباء «مطالعة» حول «أهمية» الإبقاء على الآلية السابقة التي تقضي بتسليم اللقاحات من المورد إلى الطبيب مباشرة، معتبرين أن سحب ذلك «الحق» يعني أن «صحة المواطنين، والأطفال بشكلٍ خاص، في خطر»، انطلاقاً من أن آلية شراء المواطن للقاح «تحتوي على الكثير من الشوائب التي تعرّض اللقاح للتلف». و«حرصاً» على سلامة هذا المواطن، يطالب الأطباء بإبقاء «الحصرية» في أيديهم. وهذا، بتعبير آخر، يعني إبقاء العلاقة مباشرة بينهم وبين مستوردي الأدوية، علماً بأن هذه العلاقة «الشخصية» مع المستوردين المتحكّمين بسوق الدواء هي ما كبّدت المواطنين على مرّ السنوات الماضية أموالاً إضافية تفوق السعر الحقيقي للقاح. فحقن اللقاح في العيادة الخاصة دونه ضريبة تتناسب والخصوصية فقط، ولا علاقة لفعالية اللقاح أو تركيبته بها، «وخصوصاً أن اللقاحات هي نفسها، سواء كانت في مراكز الرعاية الصحية الأولية أو في المستوصفات أو العيادات»، على ما تؤكد مصادر وزارة الصحة. وهذا تفصيل مهم يجهله الكثيرون. وهو جهل، للمناسبة، يعوّل الأطباء عليه للحفاظ على الربح الذي تدرّه تجارة اللقاحات.ولئن كان الأطباء يعتبرون أن حقهم بإبقاء اللقاحات في عياداتهم للحفاظ عليها من التلف وخوفاً «من انقطاعها في الصيدليات، وخصوصاً أن هناك 4 صيدليات فقط تحتكر هذا القطاع»، على ما يقول نقيب أطباء طرابلس، سليم أبي صالح، إلا أن لوزارة الصحة وجهة نظرٍ أخرى تنطلق فيها من القانون. وفي وقت يرى فيه أبي صالح أيضاً أن «تعديل الآلية يخلق مشكلة لوجستية، لناحية أن الطبيب لا يستطيع الاحتفاظ بأكثر من نوع لقاح واحد في العيادة»، إلا أن المشكلة تكمن في «السطو» الذي مارسه الأطباء سنواتٍ طويلة بالتحايل على القانون، ولا سيما قانون مزاولة مهنة الصيدلة، الذي يمنع في مادته الـ 35 الأطباء من بيع الأدوية. صحيح أن هذه المادة تسمح للطبيب بأن «يقدّم لمرضاه النماذج الطبية المجانية فقط»، إلا أنها تمنعه «من أن يبيع الأدوية، ولو كان حائزاً شهادة في الصيدلة». وبما أن اللقاح هو دواء، لذلك كان «بيع» الأطباء له في عياداتهم مخالفاً للقانون. وما فعله الوزير حسن هو «تصويب الفعل والعودة إلى القانون»، بحسب مصادر الوزارة. ومن شأن هذه العودة أن تسهم في «مراقبة تلك اللقاحات ومصدرها وأسعارها وضبط التهريب وتحسين نوعية الخدمة». أما «حكاية» الصيدليات الأربع التي تحتكر سوق اللقاحات، فسببها «تحكم المحسوبيات حتى في الوزارة». لذلك، فإن القرار - المذكّرة ليس سوى «رسم لخريطة توزيع اللقاحات» التي يفترض أن تطال كل الصيدليات وعددها 3400 موزعة على كل الأراضي اللبنانية، على ما يؤكد نقيب الصيادلة غسان الأمين، بحيث إن «المستورد يعلم الوزارة والنقابة في الوقت نفسه أين باع اللقاح». وبما أن الصيدليات تقع تحت رقابة وزارة الصحة، «فمن المفترض أن يكون كل شيء مراقباً، وهو ما يصعب تطبيقه على العيادات».
أما في ما يتعلق بـ«خشية» الأطباء على اللقاح من التلف، فقد طمأنت الوزارة، كما الأمين، إلى أن اللقاح «بيضاين 4 ساعات من دون الحاجة إلى التبريد»، أضف إن «آلية تسليمه متوفرة أيضاً، إذ يعطى للمواطن في cooler bag للحفاظ عليه من التلف».
وفي هذا الإطار، أسف رئيس هيئة «الصحة حق وكرامة» الدكتور اسماعيل سكرية لرد فعل الأطباء وموقفهم التصعيدي إزاء قرار وزير الصحة «الذي يهدف الى إنصاف الصيادلة الذين ظُلموا بالأسعار الحالية للدواء وتحرير سمعة مهنة طب الأطفال من الإساءة التى ألحقها بعض أطباء الأطفال بها من خلال متاجرتهم باللقاحات وبالتواطؤ مع الإدارة التي تتسلّم القسم الأكبر منها مجاناً من منظمة اليونيسيف وتسرّبها لبعضهم»!