أمس، ارتفع سعر ربطة الخبز الأبيض زنة 1000 غرام إلى ألفَي ليرة لبنانية في المحال التجارية. في الأفران كان السعر «الرسمي»، أمس أيضاً، 1500 ليرة. هذا ما قرره كارتيل الأفران منفرداً،. فعلوا ذلك، كما دائماً، لفرض أمر يصير مع الوقت واقعاً. هؤلاء الذين يفرضون خوّاتهم على لقمة الفقير، يمعنون من ناحية أخرى في سحب اللقمة نفسها من العاملين في أفرانهم الذين لا يمكن أن يكون هناك رغيف خبز من دونهم.في خضم المعركة على رغيف الخبز، يقف العاملون في الأفران والمخابز موقف المتفرّج مما يحدث. لا هم قادرون على الدخول في المعركة خوفاً من خسارة أعمالهم التي بالكاد تسدّ الرمق، ولا هم قادرون على الوقوف بمنأى عما يجري، وخصوصاً أنهم ليسوا بعيدين عما يفعله الكارتيل وعن أرباحه التي غالباً ما تكون على حسابهم.
ففي وقت يستشرس فيه الكارتيل لزيادة أرباحه من خلال رفع سعر ربطة الخبز، يئنّ العاملون في مخابزهم وأفرانهم لحرمان هؤلاء العاملين من أبسط حقوقهم التي تكفلها القوانين، ولا سيما قانون العمل. وقد صار الحرمان مضاعفاً مع الأزمة الحالية، وخصوصاً في ظل الغش الذي يمارسه أصحاب الأفران لجهة «التلاعب» بكمية الخبز الذي ينتجونه. إذ إن تصريح هؤلاء مراراً بأن «العجنة» (مئة كيلو من الطحين) لم تعد تعطي سوى أكثر من 105 ربطات من الخبز زنة 1000 غرام «ليس دقيقاً»، على ما يقول نقيب عمال الأفران والمخابز شحادة المصري. بكل «راحة ضمير»، يعيد المصري التأكيد أن ما يحكى ليس كما يجري داخل الأفران، «فالعجنة عجنة ولا تزال كما هي لم تتغير، ولكنهم لا يصرحّون بذلك». ما تغيّر هو أن العمال يتحمّلون تعباً إضافياً، إذ إنه مع قرار الخفض «لم تعد الـ 100 غرام المتبقية تدخل من ضمن الحسابات ويخبزها العمال من دون أجر». حوالى 5 أكياس من الطحين يعجنها العمال ويخبزونها يومياً من دون أجر، وهي «حسبة الـ 100 غرام التي تصير ربطات خبز أخرى لا يعلن عنها أصحاب الأفران».
مع ذلك، لا ترتبط معاناة عمال الأفران بالأزمة الحالية، وإنما تعود لعمرٍ طويل، وتحديداً مذ أن استحالت «مهنة» الخبز «كارتيل». فمنذ ذلك الحين، يتذوّق العمال «الأمرّين»، يقول المصري. ولأجل ذلك، قدم العمال، أول من أمس مذكرة إلى وزيرة العمل لميا يمين الدويهي ضمنوا فيها هذه المطالب، وهي المذكرة نفسها التي قدموها عشرات المرات إلى الوزارة، من دون أن يلقوا جواباً.
كبرت المهمات كثيراً، في وقت لا يحصّل فيه هؤلاء حقوقهم التي يضمنها لهم قانون العمل. صحيح أن القانون يعترف بهم كعمال لهم كامل الحقوق، كما عليهم واجبات، إلا أن معظم أصحاب الأفران عبروا فوق القانون، حارمين إياهم من أبسط حقوقهم. ففي ما يخص ساعات العمل، لا يميز العاملون بين ليلهم ونهارهم، إذ تتخطى ساعات عملهم الـ 12 ساعة وقد تصل إلى حدود 16 ساعة. وهذه الساعات، بحساب قانون العمل، تساوي دوامين، لكن في الأفران هي عمل «عادي»، وليست «أوفرتايم» يستحق أجراً مضاعفاً. أما أيام العمل، فهي سبعة أيامٍ كاملة، «لا عطل أسبوعية ولا أعطال مرضية ولا زواج ولا حتى موت، ومهما كانت الأسباب لا مجال للاعتذار». أضف إلى ذلك أن فئة كبيرة من العمال، ما عدا من يعملون في صالات البيع، يتقاضون رواتبهم بشكلٍ يومي أو أسبوعي، «يعني بتشتغل بتقبض»، بحسب المصري. أما الأنكى من ذلك كله فهو أن «اليومية» التي كان يتقاضاها هؤلاء وتتراوح بين 25 ألف ليرة و40 ألفاً لم تعد تساوي مع أزمة الليرة والدولار شيئاً يذكر.
ليست قضية العمل والأجرة هي كل ما يثقل كاهل هؤلاء. ثمة قضية أخرى تتعلق بضماناتهم. فبحسب نظام الاشتراكات المعمول به بين الأفران والمطاحن والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يفترض بأصحاب الأفران أن يدفعوا 25 ألف ليرة عن كل طن من الطحين، على أن يسجّل العاملون لديهم أيضاً. ولكن، بعدما كبرت الأفران وصارت «العجنة» تتخطى عشرات الأطنان، عمل الكثير من أصحاب الأفران على التملص من هذا النظام عبر تحويل الفرن إلى مؤسسة تتبع نظام المؤسسات في دفع الاشتراكات (وهي نسبة ضئيلة تدفعها المؤسسة عن الأجراء العاملين لديها)، أضف إلى ذلك أن «العازب غالباً لا يسجل في الضمان ويستعاض عنه بآخرين من المتزوجين يسجلهم صاحب الفرن من معارفه أو أسماء وهمية في الجدول». هكذا، «بيرجعوا أموال الضمان اللي دفعوها من جيوب العمال».