«أُوصيكم بمزيد من الفحوصات». هذه الخلاصة الأبرز التي يمكن أن تترجم إلحاح رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غبريسوس، أمس، على إجراء أكبر قدر ممكن من الفحوصات والتحاليل المخبرية الخاصة بتشخيص فيروس «كورونا» المُستجدّ، لأنه «لا يُمكن لأحد إطفاء النيران وهو مُغمض العينين».وفيما يرى معنيون بالشأن الصحي أن عمليات الترصّد الوبائي لا يمكن أن تستقيم من دون تكثيف إجراء الفحوصات المخبرية لما لها من أهمية كبيرة في وضع قاعدة بيانات واسعة تُتخّذ على أساسها قرارات عزل المناطق أو «تحريرها»، تشخص الأنظار نحو واقع هذه الفحوصات في لبنان في ظلّ «حصر» إجرائها بثلاثة مختبرات فقط معتمدة لدى وزارة الصحة، إلى جانب مُستشفى رفيق الحريري، صاحب «الوزر» الأكبر في معركة مواجهة الوباء على صعيدي الفحوصات واستقبال الحالات.
فإلى المُستشفى الحكومي الذي «يحضن» وحده نصف الإصابات ويقوم حالياً بأكثر من 70% من الفحوصات، هناك مختبرات الجامعة الأميركية في بيروت ومختبرات مُستشفى أوتيل ديو «الذي يُجري فقط الفحوصات لمرضاه»، ومختبرات merieux التابع للجامعة اليسوعية، فيما لم يُباشر مُستشفى رزق إجراء الفحوصات بعد، «ويتوقع أن يباشر ذلك هذا الأسبوع»، وفق مصادر «الصحة». ووفق المعلومات، وحده مُستشفى الحريري من يقوم بإجراء الفحص مجاناً (ما يُبرّر كثافة الإقبال عليه)، فيما لم تلتزم المختبرات الأخرى بتسعيرة الـ150 ألف ليرة للحالات «غير الجدية» (أحد المختبرات يسعّر الفحص بأكثر من 300 ألف ليرة)، ولا بمجانية الفحص للحالات الجدية.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

مصادر طبية معنية بالملف الصحي استغربت ألا تكون المُستشفيات الجامعية في لبنان مجهزة أساساً لإجراء فحوصات الـ pcr (المخصّصة للكشف عن الفيروسات)، «خصوصاً أن الكثير من الأمراض يستدعي وجود تقنية الكشف عن الحمض النووي التي يوفرها هذا النوع من الفحوصات الأساسية في الحياة الطبية الجامعية». ونبّهت من خطورة الخلل الذي يحكم واقع المُستشفيات الخاصة، في ظل عدم إمكانية «الصمود» بالاعتماد المُطلق على مُستشفى رفيق الحريري الجامعي.
حتى الآن، لا أرقام دقيقة بشأن عدد الفحوصات التي أُجريت. إلا أن تقديرات مصادر في دائرة الترصد الوبائي في وزارة الصحة تُشير إلى إجراء نحو 2700 فحص، وأن معدل الفحوصات اليومية حالياً يراوح بين 250 و300 فحص، نحو 200 منها تُجرى في الحريري (أكثر من 66%). هذا الضغط الهائل في ظلّ بطء اعتماد مُستشفيات ومختبرات في المناطق، بات ينعكس على موارد المستشفى المنهك، فيما تفيد المعطيات ببداية انقطاع العوازل المطلوبة لإجراء الفحص، في ظل التزايد المتوقع للإصابات.
وكان عدد الإصابات وصل، حتى مساء أمس، إلى 112 حالة، مع تسجيل 3 حالات إضافية في مُستشفى رفيق الحريري الجامعي. وأعلن المستشفى شفاء حالتين إضافيتين، ليبلغ مجموع الحالات التي شفيت نهائياً (خلت نتائج فحوصاتها المخبرية من أي وجود للفيروس) ثلاثاً، فيما هناك، بحسب مصادر وزارة الصحة، أكثر من 15 حالة شُفي أصحابها سريرياً (زالت العوارض تماماً لكن نتائج التحاليل لا تزال تشير الى وجود الفيروس).
66 %من الفحوصات تُجرى في «الحريري الجامعي» بسبب مجانيّتها


التقرير اليومي للمستشفى لفت أيضاً إلى أن مجموع الحالات المُشتبه في إصابتها داخل الحجر الصحي بلغ تسعاً، في انتظار نتيجة الفحص المخبري، مُشيراً إلى أن «وضع المُصابين بالكورونا مُستقر ما عدا حالتين وضعهما حرج».
صحيح أنّ قرار الإقفال وحظر التجوال الذي اتخذه مجلس الوزراء كان «حكيماً»، بحسب وزير صحة سابق، في ظلّ ضعف الإمكانيات الاستشفائية والصحية، إلا أنّ هناك خطوات يجب أن تتبعها الدولة تتعلّق بخططها الاستراتيجية لضمان إجراء الفحوصات قبل مناقشة التزام الناس بتدابير الوقاية والحجر، إضافة الى ماهية آلية نقل المُقيمين في المناطق لإجراء الفحوصات في الأيام المُقبلة، وماذا عن المُستشفيات الحكومية البديلة المطلوب تجهيزها في أقرب وقت؟ وما هي الصلاحيات الممنوحة للسلطات المحلية لضبط إجراءات الوقاية ونقل المُصابين وحجم أهليتها لتولّي هذا النوع من المهمات؟