حينَ تنزِل بالبلاد بليّة، يغدو أقل المتوّقع من أهل الدولة أن يكونوا على قدر المواجهة. حتى لو لم يعُد هؤلاء في موقِع المسؤولية التنفيذية، فإن ذلِك لا يعني - بحسب التجربة - تنازلهم عن موقعهم في المشهد السياسي. ولأن الأزمات اختبار ميدان للقادة أو مَن يطرَحون أنفسهم كذلك أو يُعاملون على هذا الأساس، فإن ما يمر به لبنان من حدث، قد يكون قاصِماً قياساً لإمكانياتِه وحدود قدراتِه ومقدراتِه، يستدعي السؤال عن حجم حضور هؤلاء في هذه الأزمة.يفتَح ذلِك حديثاً عن سبب غياب رئيس تيار المُستقبَل سعد الحريري عن المشهد. منذ الإعلان عن أول حالة كورونا في لبنان حتى الآن، لم يُسجّل لرئيس الحكومة السابِق سوى سلسلة من التغريدات دعا فيها إلى «غلق الأبواب في وجه فيروس كورونا من أيّ دولة»، مُعتبراً أن «الخطر باتَ يتطلّب استنفاراً بكل الميادين الرسمية والأهلية والمنظمات المُتخصّصة والمراكز الطبية»، تارِكاً لبعض نواب كتلتِه دور الهجوم على حكومة الرئيس حسان دياب وإجراءاتها في وجه وباء كورونا. فأين الحريري مِن هذه المواجهة على اعتبار أنه واحِد من الممثلين الشرعيين لـ«رعية» واسعة؟ وهو الذي وعَد في آخر خطاب له في الرابع عشر من شباط بأنه لن يوفّر فرصة ووسيلة لمساعدة لبنان. «الحريري خارِج البلاد. موجود في فرنسا. ولن يعود حالياً، أقله ليسَ قبلَ انتهاء الأزمة»، وفقَ ما يقول مُطّلعون.
في هذه الفترة التي يحتاج فيها الناس إلى مَن يُساندهم ويقدّم لهم الدعم، قولاً وفعلاً، فضّل الحريري البقاء خارجاً. أما تياره فشنّ هجوماً على الحكومة ورئيسها، مُستغلاً هذه الأزمة لتصفية الحسابات. وتتقدم هذه الحملة، وفقَ ما يظهَر، النائبتان رولا الطبش جارودي التي اعتبرت منذ أيام أن «إجراءات الحكومة لمواجهة الكورونا مهزلة، ولا خطوات جريئة على الأرض»، وزميلتها ديما جمالي التي كانت قد استخدمت التعابير ذاتها سابقاً مغرّدة بـ«كفى لإجراءات المهزلة الحكومية». وبمعزل عن الخطوات التي قامت بها الحكومة أخيراً، ورأي تيار المُستقبل بها (نواباً وكوادر) ممن اعتبروا بداية أن ما تقوم به الحكومة غير كافٍ في معركة المواجهة، فهل تُعدّ التغريدات عبرَ وسائل التواصل الاجتماعي لرئيسهم كافية للتعبير عن مساندته لجمهوره في مثل هذه الأزمة؟ طبعاً ليسَ مطلوباً من الحريري أن يفتَح باب منزله في وادي أبو جميل للوافدين، لكن حضوره الشخصي يكفي لإشعار ناخبيه والمناصرين له بدعمه لهم.
الحريري خارِج البلاد. موجود في فرنسا. ولن يعود حالياً، أقله ليسَ قبلَ انتهاء الأزمة


يُحاول من في «المُستقبل» التبرير لهذا الغياب بالحديث عن المبادرات التي يقوم بها نواب في التيار على مستوى مناطقهم، إضافة الى ما صدرَ عن التيار من أنه بتوجيه من الحريري سينظّم بالتنسيق مع «جمعية بيروت للتنمية» التي يديرها أحمد هاشمية، و«الجمعيات الصديقة في المناطق، حملة لتوزيع حصص غذائية على العائلات المحتاجة، كما يجري الإعداد لتنظيم حملة ثانية في الأيام المقبلة لتوزيع حصص مخصصة للتعقيم المنزلي كبادرة متواضعة للوقوف مع أهلنا في مواجهة الظروف المعيشية الصعبة والمشاركة في مكافحة وباء كورونا».
مع هذه الحركة، ظل بقاء الحريري خارج البلاد محطّ انتقاد من قبل مسؤولين وحتى دبلوماسيين عرب وأجانب، يقولون إن تنظيم الحملات لا يغني عن حضوره ليشارك الجميع في المسؤولية.