قبل أيام، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لأمٍّ تناجي ابنتها المتوفاة من خلف "سياج شائك". لم تكن قادرة على الوصول إلى قبر طفلتها، الذي أقامه طليقها في أملاكه الخاصة لمنعها من الدخول. 63 يوماً ولم تقدر الأم لينا جابر أن تلمس قبر الصغيرة، وهي التي لم ترها أصلاً منذ عامين تقريباً بسبب حرمانها منها.لينا، التي أخرجت حزنها وحرقتها دفعة واحدة في فيديو من بضع دقائق أعادت إلى الواجهة قضية حرمان الأمّ من حضانة أولادها. «الأم الشيعية» هنا. ولهذا السبب، نظمت الحملات المعنية بموضوع الحضانة تظاهرة، أول من أمس السبت، أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بعنوان «غضب الأمهات»، وتحت لواء المطلب نفسه «حضانتي ضد المحكمة الجعفرية»، الذي انطلقت به التظاهرات من أمام المجلس قبل سبع سنوات.
صحيح أن القضية التي أثارها الفيديو لا صلة مباشرة لها بالمحكمة الجعفرية، لكن «لولا ظلم هذه المحاكم وشرعنتها للذكورية لم يكن ليتجرأ الأب ويتمادى في ظلمه إلى درجة أن يحرم الأم حتى من زيارة ضريح ابنتها. فهذه القوانين مثّلت الضوء الأحمر للمضي في هذا الظلم»، تقول المحامية فاديا حمزة التي تتابع اليوم قضية لينا. وهي «بالدرجة الأولى قضية ظلم اجتماعي»، وخصوصاً أن «طليقها صاحب نفوذ ومال وعلى علاقة مع بعض السياسيين وهو ما يصعب نيل الأم لحقوقها، علماً أن ليست لديها القدرة المادية لتكليف محامٍ، ومعلوم أن من تدخل دهاليز المحكمة الجعفرية لا تخرج منها قبل سنوات».
ولئن كانت مايا، الطفلة المتوفاة، عند طلاق والديها تبلغ الثانية عشرة من عمرها، أي «أنها اجتازت سن التخيير المقررة فقهياً بعمر 9 سنوات»، إلا أن «عدم معرفة الأم للقانون الذي يمنحها حق المطالبة بتخيير الطفلة حرمها من ابنتها»، تقول حمزة. حتى لو كانت متزوجة، تؤكد. وتشير إلى أن «الفتاوى الشرعية بحد ذاتها لم تحرم حتى الأم الزانية من حقوقها فكيف بحقّ الأم المظلومة».
ما فات قد فات. حُرمت الأم من ابنتها إلى الأبد. لم تعد مهمة التفاصيل. ما يهم اليوم أن «تصل لينا إلى قبر ابنتها»، وهو ما تحاول حمزة العمل على تحقيقه، بالتعاون مع الوكيل القانوني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وذلك «لاتخاذ الإجراءات القانونية التي تسمح للأم بزيارة قبر ابنتها عبر إزالة السياج، وفي حال رفض الأب تُنقل الجثة إلى المقبرة العامة».
الكثير من الدموع والصرخات المنددة بظلم الأمهات علت أول من أمس، أمام المجلس الذي حصّن نفسه جيداً بالحواجز الحائلة دون عبور مطلبهن الطبيعي برفع سن حضانتهن أولادهن. المطلب واحد: الرحمة للأمهات. ما زالت الشعارات التي أطلقتها الأمهات هي نفسها: «الفساد الفساد، جوّا جوّا العمامات»، «عليّ سور المجلس علّي بكرا الأم تشيل ما تخلي» وغيرها من الهتافات التي صدحت بها حناجر الأمهات من دون أن يأبهن بالمطر وكابوس كورونا والحواجز الحديدية المنصوبة التي لطّخنها باللون الأحمر كناية عن لون دم الأمهات والأبناء المسفوح ظلماً. هي ليست الوقفة الأولى ولن تكون الأخيرة. «مستمرون حتى الحصول على حقنا»، تقول إحداهن.
صحيح أن الشعارات لا تتغير، لكن ثمة ما يتغير من تظاهرة إلى أخرى لدى الأمهات. فهؤلاء بتن على دراية بالأحكام الشرعية المتعلقة بالحضانة، وخصوصاً اجتهادات فقهاء رفعوا سن الحضانة كما عند المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله. حتى إن الفقهاء كالمرجع السيستاني رغم فتوى الحضانة (سنتين للطفل و7 للبنت) تركوا تشخيص الوضع لقانون الدولة كما الحال في العراق وإيران. وتطالب الأمهات برفع سن الحضانة إلى عمر السبع سنوات للصبي وتسع سنوات للبنت ومن ثم حضانة مشتركة بين الوالدين حتى بلوغ عمر الـ16.
من هنا، تسعى حمزة من خلال حملة «ثورة امرأة شيعية»، التي بدأتها بقضية شقيقتها وابنها، للمطالبة برفع سن الحضانة انطلاقاً من قراءات فقهية مرنة ترفع الحضانة إلى سبع سنوات لكلا الجنسين على أن ينظر القضاء بعد ذلك بما يحقق مصلحة الطفل العليا. ومن الإيجابيات التي حقّقها نضال النساء، وفق حمزة، إنجاز دفتر الشروط الذي أعدّته المحكمة الشرعية حيث يُعقد الزواج بناءً على شروط يقبل بها الزوجان كاشتراط الزوجة بحضانة الأطفال أو حيازتها العصمة بتطليق نفسها. ورغم أن هذه الشروط نصّ عليها الشرع وليست «منّة» من المحكمة، إلا أن حمزة تراها «خطوة جيدة لتكريس هذه الحقوق في المجتمع».